العلم فى حياة المسلم 2 - 3

كتب بواسطة: Super User. Posted in ثقافة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

العلم في حياة المسلم (2 - 3)

      في حديثنا السابق تناولنا أهمية العلم في حياة الإنسان عامة وفي حياة المسلم على وجه الخصوص، حيث أن البشر عامة يستخدمون العلم في معاشهم، أما المسلم فيعبد ربه بالعلم الديني الذي لا يفصل بين الشؤون الروحية والشؤون الحياتية، حيث يتناول الإسلام - بشموليته - علاقة الإنسان مع أخيه اجتماعياً، اقتصادياً وسياسياً، وعلاقته مع الكون والبيئة الحية والصامتة.

      إن الإسلام يعلي من شأن العلم، ويحث المسلم على التعلم واكتساب العلوم بشتى أصنافها، ومن هذه العلوم نذكر ما يلي:

      أولاً: علم الدين:

      أنزل الله تعالى الإنسان إلى الأرض، وفرض عليه الاهتداء بالهدى الرباني، قال تعالى: (قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة، 38. فإنما يزول خوف المسلم وحزنه يوم القيامة بوجود خوفه من الله وتقواه في الدنيا، وهذا ما يفعله العلماء، قال الله عز وجل: (... إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر، 28. فمن هنا يحث الإسلام المسلم على اكتساب العلم الذي يتعبد به ربه عز وجل، قال تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) التوبة، 122. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه فى الدين" سنن ابن ماجة، المقدمة، 17 باب فضل العلماء والحدث على طلب العلم، ج 1، ص 80، الحديث رقم 220. وحث الإسلام على طلب العلم والبحث العلمي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" سنن ابن ماجة، المقدمة، 17 باب فضل العلماء والحدث على طلب العلم، ج 1، ص 81، الحديث رقم 224.

      ونسبة لاتساع العلم الديني فقد تفرع حتى شمل عدة فروع، منها: علوم القرءان الكريم، علوم الحديث النبوي الشريف، علم التوحيد وأصول الدين، علم الفقه وأصوله، علم السيرة، وغيرها من فروع داخلية.

      ثانياً: علوم الحياة:

      إن للإنسان على الأرض حاجات جسدية ونفسية بالاضافة للروحانيات، فلجسده مطالب الغذاء والدواء والكساء والمأوى، وبتنوع حاجاته تنوعت معارفه وعلومه، ولكي يلبي هذه الحاجات فمن نعم الله تعالى على الإنسان أن سخر له كل ما في الكون من مخلوقات، قال تعالى: (أم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) لقمان، 20. ولن تلبى هذه الحاجات إلّا بالبحث العلمي وتمحيص خصائص الكائنات التي خلقت لنا، ويشمل البحث العلمي والمعارف العلوم التالية:

      أ- علوم الطبيعة: وقد أشار القرءان الكريم إجمالاً إلى هذه العلوم، ومن هذه العلوم نجد:

         1- علم النبات والزراعة، وعلم الجبال والجيولوجيا، وغيرها من علوم الفيزياء والكيمياء: قال تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلف ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه .....) فاطر، 27 ، 28.

         2- علم الأحياء "البيولوجيا" والأجنة: (فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) الطارق، 5 - 7. وقال الله عز وجل: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) المؤمنون، 12 - 14.

      ب- علوم اللغة: إن اللغة هي وسيلة التواصل البشري، ولولاها لما كانت معارف ولا كان نقل أفكار، فاللغة أفكار وأحاسيس مصورة في كلمات وألفاظ، وهي من أول المعارف التي علمها المولى عز وجل لأبينا آدم، قال تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها) البقرة، 31. كما جعل الله اللغة من خصائص التنوع البشري، قال تعالى: (واختلاف ألسنتكم) الروم، 22.

     جـ- علم الأجناس (الأنثروبولوجيا): اقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل التنوع الجنسي من ذكر وأنثى، ومن شعوب متباينة الأجناس، ولم يشأ أن يحعلهم أمة واحدة، قال تعالى: (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فى ما آتاكم) المائدة، 48. وحكمة التنوع تكمن في هدف التعارف والتآلف، تعارف بين الذكر والأنثى وتعارف بين مختلف الشعوب فيما بينها، قال الله عز وجل: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) الحجرات، 13.

      د- علم النفس: والنفس بمعناها الذي يشمل العقل والقلب والروح هي مناط التكليف، ولم يتركها المولى سدىً، بل بين سبيل الهدى والضلال، قال تعالى: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) الشمس، 7، 8. ثم بين القرءان الكريم أنواع النفس وأمراضها وعلاجها، فذكر أنها نفس أمارة بالسوء، ولوامة، وملهمة، وراضية، ومرضية، وكاملة. وبين شحها وسبل تزكيتها. ودلنا على سبر غورها لنعلم خلق الله فيها، ولنداوى أمراضها، قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات، 21.

     هـ- علم التاريخ والاجتماع: وضع لنا القرءان الكريم أسس دراسة التاريخ، فليس علم التاريخ للتسلية وتزجية فراغ الوقت، ولكن للعظة والعبرة وأخذ الدروس التي تعيننا على استلهام تجارب الماضي في تطوير الحاضر، قال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم .....) الروم، 9. ولهذا فقد قصّ لنا القرءان الكريم أحداث الأمم السابقة لأخذ العبرة، قال تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب) يوسف، 111.  

      تلك بعض من العلوم التي جاءت الإشارة إليها في القرءان الكريم. ولم نتطرق إلى علم الهندسة المعمارية وبناء المساكن، قال تعالى: (وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين) الشعراء، 149؛ وقال تعالى: (وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً) الأعراف، 74. ولم نذكر علم الدواء، ففي شأن عسل النحل قال تعالى: (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) النحل، 69. وقد بينت السنة النبوية العلاج لبعض أمراض الجسد والنفس وحثت  على التداوي والتماس العلاج.

      وبانشطار المعرفة وتوسعها حدثت علوم فرعية من كل هذه العلوم وتشعبت العلوم حتى غاب عنا العالِم الموسوعي، وغدا لدينا العالِم الذي يتخصص في فرع ضيق من فروع العلم الواحد. وأضحى تلقي العلم في هذا الفرع أو ذاك من فروض الكفاية حيث لا يتسنى للفرد الواحد الإلمام بكل العلوم. غير أنه لا بد للفرد من فرع في العلوم يكون مجال اهتمامه وتخصصه، فإن لم يكن المسلم عالماً بكل شئ فلا يكون جاهلاً بكل شئ.

 

                                                          وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

                                                                                          كتبه / عبد الرحمن ود الكبيدة

                                                                                                  يتبع فى الشهر القادم