بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصبه وسلم

الأوبرا: فن في فنون(بقلم عبدالرحمن ود الكبيدة)

عرف الإنسان فن الغناء والحوار المسرحي منذ قرون خلت. ولكن بدأت الأوساط الفنية الآن تتحدث عما يسمى “الأوبرا”. والأوبرا هي شكل من أشكال المسرح الذي تعرض فيه الدراما مصحوبة بالموسيقى والغناء. فالأوبرا هي مسرحية غنائية لا يتخللها أي حوار غير ملحن. وأول أوبرا كانت

 من أصل إيطالي يرجع إلى عام 1594م، واسمها “دافني  Dafne”، وقد كتب نصها “رينوتشيني  Rinuccini” المتوفي سنة 1621م، ولحنها “جاكوبو بري JacopoPeri”(1561م- 1633م). فعلى هذا تكون الأوبرا جزءاً من الموسيقى الغربية الكلاسيكية (التقليدية).

      والجدير بالذكر أنه في أي أداء أوبرالي تعرض معظم عناصر المسرح الكلامي مثل التمثيل الصامت، المشاهد والأزياء، والرقص، والشعر، والديكور، والفنون التشكيلية. كل ذلك يصحبه الأداء الموسيقي والغناء الفردي والجماعي.      

      ولاحقاً – في أواسط القرن التاسع عشر – قد تطور من الأوبرا ما يسمى (الأوبريت  Operetta)، وهي مسرحية موسيقية خفيفة تشتمل عادة على حبكة عاطفية نهايتها سعيدة، كما تحتوي على مواقف من الحوار الملفوظ والرقص التعبيري أو الاستعراضي. وأشهر مثال لهذا النوع من الأوبريتات تلك التي ألف موسيقاها النمساوي “يوهان شتراوس  JohannStrauss” (1825م- 1899م).كما أشتهرت أوبريت للمجري “فرانس ليهار  FranzLehar”(1870م- 1948م) اسمها: “الأرملة الطروب DieLustigeWitwe” (1905) التي عربها الشاعر المصري عبدالرحمن الخميسي من سنوات مضت.

      ويرجح دارسو الغرب بداية فن الأوبرا بمدائحيات رجال الكنيسة الغربية، تلك المجموعات الغنائية التي كانت تؤدى في القرن الخامس عشر بعد ظهور التمثيليات الدينية ذات المقاطع الإنشادية. وهنا يمكننا الاستئناس برأي “فيتوباندولفي”: “يجوز لنا أن ننظر إلى المدائحيات على أنها أول أشكال المسرح الموسيقي الذي قدر له أن يتحول إلى “أوراتوريو  oratorio”، أي “اللحن الديني أو ابتهالية” ثم إلى أوبرا. فالأوراتوريو هي أوبرا ذات موضوع ديني تقدم في الكنيسة عوضاً عن المسرح”.

      وحتى لا نقمط الناس حقوقهم ونتجاهل منجزاتهم كما يفعل الغرب تجاه العرب والمسلمين، نرى أن نشأة الأوبرا كانت على يد المتصوفة المسلمين، باعتبارهم أسبق في الوجود من رجال الأوبرا الغربيين الذين كانوا في القرن السادس عشر. فقد كانت حلقات الذكر الصوفي منتشرة في الأوساط الإسلامية منذ القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي). فقد قام هذا النوع من الذكر على يد الشيخ عبد القادر الجيلاني (471هـ/ 1078م- 561هـ/ 1166م). قال ابن تيميه عن هذه الطريقة القادرية: “إنها الطريقة الشرعية الصحيحة، لأنها تلتزم الكتاب والسنة التزاماً حرفياً، وخاصة الجانب المعرفي للتصوف”. فالطريقة القادرية هي أول من أدخل حلقات السماع (الذكر) الصوفي.

      وفي حلقة الذكر الصوفي نجد الفنون السبعة، وهي: الشعر والموسيقى والغناء (ولاسيما الكورال، أي الغناء الجماعي) والباليه (الحركة الراقصة) والديكور والفنون التشكيلية والتمثيل الصامت. ومن هنا جاز لنا أن نعتبر التصوف رائداً في مجال الأوبرا ومؤسساً لها.

      أما عن الأوراتوريو أو مدائحيات الكنيسة، فهي لا تضم كل فنون المسرح كما نجدها في الذكر الصوفي، فتفتقد هذه المدائحيات إلى الحركة والملابس وتعدد آلات الإيقاع التي تتوفر في الذكر الصوفي.

      وهكذا تتكامل الفنون الجميلة في حلقة الذكر فيتفاعل معها المشاهد والمستمع في تواصل سلس أوجدته تنوع وسائل الاتصال السمعية والمرئية (audio-visualaids) التي جاء بها الإعلام الصوفي بوسائطه المتعددة. فيكون التصوف قد سبق فن الأوبرا الغربي، كما سبق مدارس التربية المعاصرة. فاليوم تنادي مدارس التربية الحديثة بإضافة المؤثرات البصرية والسمعية إلى نظام التعليم وذلك باستخدام فنون الوسائط المتعددة Multimedia، وهو مصطلح واسع الانتشار في عالم الحاسوب يرمز إلى استعمال وسائل إعلام مختلفة لحمل المعلومات مثل (النص، الصوت، الرسومات، الصور المتحركة، الفيديو، والتطبيقات التفاعلية).

                                                                            وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. 

Scroll to Top