بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تذييل الرسالة بعبارة “ودمتم”
جاءتني رسالة في الواتساب تنص على كراهية تذنيب (تذييل) الرسائل بعبارة “دمتم“. ونخشى أن تتطور هذه الفتوى إلى التحريم، ووصف كاتبها بالمشرك أو الكافر، فالشر ينمو كما ينمو الخير.
وعندي أن هذه المسألة – أي كتابة “دمتم“- تخضع لمعاني اللغة وقواعد المجاز اللغوي. فهنالك في اللغة ما يسمى “المشاكلة” وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى. وعلى هذه المشاكلة جرى الكثير من عبارات القرءان الكريم مثل قوله تعالى: (وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون * الله يستهزي بهم)- البقرة، 14، 15. وعلى هذه المشاكلة نجد الكثير من النعوت والصفات . فمن قال: (إن الله كريم، وإن فلاناً كريم)، فلا يقصد استواء معنى كرم فلان مع كرم الله تعالى.
وعليه نقول: إن دوام الإنسان ليس كدوام الله عز وجل. وأنا أخاطبكم الآن، فأنا إذن حي. غير أن حياتي كأنسان ليست كحياة الله وهو الحي القيوم.
فتدبروا معي:
1- (ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلّا ما دمت عليه قائماً) آل عمران، 75. ومعنى “ما دمت” أي مدة بقائك مراقباً له ومطالباً بحقك.
2- (وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً) مريم، 31. والمعنى = مدة بقائي حياً وإلى ديمومة حياتي، تلك الديمومة المؤقتة التي تنقضي بموتي.
3- (وكنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنتَ أنت الرقيب عليهم) المائدة، 117. إذن فديمومة شهادتي عليهم انقضت بوفاتي.
فدوام حياة البشر في الدنيا محدود، وخلوده في الآخرة في النعيم أو العذاب معلوم من القرءان، ولله أن يفعل ما يشاء من تخليد أو إفناء.
فمن كتب في الرسائل عبارة: “دمتم” فإنما هو ينشد المبالغة والإطناب، وهذا معلوم في التفكير البشري. فلذلك نجد هذا الاطناب والمبالغة في كل اللغات، وذلك لتطابق التفكير البشري الذي سهلت به الترجمة من لغة إلى لغة. فالأنجليز يسمونه: “hyperbole” كقولهم: (I haven’t seen you for ages) وترجمتها: (لم أرك منذ قرون). فهل يعيش الإنسان قروناً من الزمن ؟
ومن المبالغة والتعجيز قوله تعالى: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) الأعراف، 40. والجمل هو البعير المعروف، وسم الخياط هو ثقب الإبرة. وفي الحديث الشريف – في صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، الحديث رقم 216 : (عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيُّ العمل أحب إلى الله قال: “أدومهوإن قلَّ”) فهل بعد هذا الخطاب القراءاني وخطاب السنة النبوية الشريفة يكره ذكر الديمومة التي قد تكون مستحيلة أو مضنية للبشر ؟
إن عبارة “دمتم” التي يذيل بها الرسالة ما هي إلّا من قبيل الدعاء أن يديم اللهُ المرءَ في طاعته وإن قلت .
أقول لكم، وكما قلت من قبل: “إن هذا الواتساب كحاطب ليل، لا يدري أصندلاً احتطب أم طروراً !” ولكن المؤمن كيس فطن، يمتثل قوله تعالى: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسؤولاً) الإسراء، 36.
فقبل نشر أية معلومة يجب تحري صدقها وصحتها بسؤال أهل الذكر عنها، وذلك لكي لا نتسبب في نشر الباطل، فنكون كمن يدعو إلى غير الحق. أعاذنا الله وإياكم من اتباع الهوى.
والله أعلم.
فهذا ما جرى به – بتوفيق الله تعالى – قلم عبد الرحمن محمد ود الكبيده وهو الفقير إلى ربه العليم.
اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه.
وصلى الله ربي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم