بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
التربية والتعليم بين الماضي والحاضر 1
إن أصدق الحديث حديث الله عز وجل المتمثل في القرءان الكريم. فصدق القرءان الكريم وشرفه وعظمته مستمدة من انتسابه لله تعالى. ثم يتشرف الناس والأشياء والأماكن بانتسابها للقرءان الكريم وتزول عنها المعايب باقترانها بحديث الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. قال تعالى: (ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً) البقرة، 269. وقد فسر علماؤنا الأجلاء “الحكمة” بـ “القرءان”.حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج 1، ص 174.
ليس لأحد في هذا الكون قيمة ذاتية (intrinsic value) سوى الحق عز وجل، وما عداه يكتسب قيمته بما له أو بما ينسب إليه من صفات مكتسبة ليست حقاً ثابتاً، بل تصدق عليه أو تكذب، تظل معه أو تزول. ولكن من انتسب إلى الله العزيز الباقي ظلت صفاته القرءانية عزيزة على منال الطامعين بلا كسب، باقية على مر السنين بلا نصب، ترفل في ثياب الخيرية.
وقد روي في الحديث الشريف قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلم القرءان وعلمه” صحيح البخاري، 66 كتاب فضائل القرءان، 21 باب خيركم من تعلم القرءان، ص 1093، حديث رقم 5027.
ومع هذا الاهتمام بالقرءان فالإسلام لا ينتقص من العلوم الأخرى. فبخصوص الوظائف والأعمال والأشغال التى يكتسب بها العيش في هذه الدنيا فقد منح القرءان الكريم رقعة واسعة من خيارات مكتسبي العيش من الأعمال الدنيوية.
إن القرءان الكريم كتاب تشريعات أخلاقية واجتماعية واقتصادية تهدف إلى تهذيب سلوك الفرد وتنظيم علاقاته مع أخيه الإنسان والبيئة التي حوله من حيوان ونبات وجماد.
فالقرءان الكريم لا يتعارض مع العلم ولا مع الدعوة للعلوم الدنيوية والأخذ بالأسباب، بل يحثنا على التفكر والبحث العلمي، قال تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت) الغاشية، 17، 18، 19، 20.
فمن درس القرءان وتعلمه فله دور رائد في المجتمع لا ينكره إلّا المتعامي عن إصلاح وتزكية المجتمع، فبأهل القرءان يحفظ الله شرعه وتعاليمه، فهذه رسالة أهل القرءان الكريم التي تصب في محيط رسالة الأنبياء الذين ما عيب عليهم عدم اشتغالهم بالطب أو الهندسة أو ريادة الفضاء. ومن اكتفى بمعرفته للقرءان فله في غيره من الناس منافع تصله منهم مثل أهل الصناعات وأرباب التجارات والخدمات المختلفة، ولكن لا بد لأهل الصناعات هؤلاء من القرءان الكريم الذي لا يعفى أحد من معرفته أو على الأقل معرفة ما تصح به عبادته ومعاملاته من صناعة وتجارة وخدمات. فمن أراد حصر الفائدة في الوظائف المعتمدة على العلوم الطبيعية فقد تعامى عن حقائق العصر العلمية التى تنادي بالتخصصات في الوظائف واختفاء الإنسان الموسوعي. فالتكامل – لا التنافر – بين رجل الشرطة بدبابيره وحامل القرءان بصحفه تمليه ضرورة التعاون بين البشر لتحقيق مصالح الحياة .
هذا ما قصدنا قوله في شأن أهمية التعليم، سواء كان تعليم القرءان الكريم أو غيره من العلوم الأخرى.
أما عن أسلوب التربية وتأديب التلميذ فتجدر الإشارة إلى أن نظام الحافز والرادع هو أجدى ما يكون في تسيير دفة المدرسة أو خلوة تحفيظ القرءان الكريم.
ولكن اليوم، وقد فصلت عير التربية عن عريش الحق، ودلفت نحو النوايا غير الحميدة، فقد آن لنا أن نؤذن فيهم: مهلاً، أيتها العير إنكم واهمون في منهج التعليم الذي تنتهجون. فلقد آذيتمونا برزايا داهمتنا من الغرب الملحد. ومن أبرز هذه الرزايا المتعلقة بموضوع التربية هى الهشاشة التربوية التي اتسم بها علم النفس الغربي والتي جعلت من المتعلم قارورة تكسرها الإشارة بالأصبع دعك من لمسها بالعصا. فقد عمل علماء النفس هؤلاء على هدم القيم البشرية وإضعاف الذات الإنسانية إذ جعلوا المجرم مريضاً مرضاً نفسياً يدرأ عنه المساءلة والمسؤولية. ونسي هؤلاء العلماء النفسانيون أن بعضاً ممن يرتكبون الأخطاء والمعاصي والجرائم لهم من غلظ الجلد وكثافة النفس وقتامة الروح ما يجعل وقع العصا عليهم كوقع المطر على التربة الخبيثة لا يزيدها إلّا إنباتا لأعشابها الضارة. (والذي خبث لا يخرج إلّا نكداً) الأعراف، 58.
فالضرب هو أحد وسائل الردع المنصوص عليها في القرءان الكريم والسنة النبوية. قال تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) النور، 4. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها ” سنن أبي داود، كتاب الصلاة، 26 باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، ص 84، حديث رقم 494.
ولكن للذين لا تستهويهم سوى الثقافة الغربية والأفكار المستوردة نهديهم قول الإنجليز: “دع العصا واتلف الطفل spare the rod and spoil the child”. غير أن الإسلام حينما يتخذ الضرب وسيلة رادعة لا يعني به – كما يظن المرجفون – ذلكم الضرب المبرح الذي ينم عن الحنق والغيظ والضغينة، بل هو ضرب المعلم الرؤوف الذي تهمه رمزية الضرب المتمثلة في ضربة أو ضربات بضغث من الحشيش الذي لا يؤذى بدنياً، قال تعالى: (وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث) ص، 44.
إنه على حد قول الشعراء العرب: (“أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض” . . “كاد المعلم أن يكون رسولا”). وإلى فلذات الأكباد من رسل الرحمة جاء الاهتمام بالعلم والتربية معاً:
علموا النشء علماً تستبين به سبل الحياة، وقبل العلم أخلاقاً.
فالتربية والتعليم هما جناحا طائر المجد. فلا تعليم بلا كتاب . . ولا صواب بلا ثواب . . ولا خطأ بلا عتاب.
ولنا إلى هذا الموضوع كرة وإياب.
فإلى لقاء . .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.