بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الهدى النبوى الاقتصادى 2
بقلم: عبد الرحمن (ود الكبيدة)
   أولاً: نص الحديث:

عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض”. قيل: وما بركات الأرض ؟ قال: “زهرة الدنيا” فقال له رجل: هل يأتى الخير بالشر ؟ 

فصمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظننت أنه ينزل عليه، ثم جعل يمسح عن جبينه، فقال: “أين السائل ؟” قال: أنا. قال أبو سعيد لقد حمدناه حين طلع لذلك. قال: “لا يأتي الخير إلَا بالخير، إن هذا المال خضرة حلوة، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطاً أو يلم، إلّا آكلة الخضرة، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس، فاجترجت وثلطت وبالت، ثم عادت فأكلت. وإن هذا المال حلوة، من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، وإن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع”.  صحيح البخاري، 81كتاب الرقاق، 7باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، ص 1149، الحديث رقم 6427.

  ثانياً: معاني المفردات:

   الربيع = الخريف، فإن العرب تسمى الخريف ربيعاً.

   الحبط = انتفاخ البطن بسبب كثرة أكل العشب.

   يلم = يكاد يهلك أو يقترب من الهلاك.

   اجترجت = استرجعت ما ابتلعت لتعيد مضغه وبلعه ثانيةً.

   ثلطت = ألقت ما فى بطنها رقيقاً (إسهال)، وفى هذا التعبير غاية التشنيع والاستهجان بطالب المال الجشع.

      إن هذا الحديث مما لم يقع مثله في كلام العرب من قبل، فهو من كلام النبوة الخالص. وهو صورة أدبية عميقة المعاني بليغة التصوير دقيقة التشبيه.  

ثالثاً: توصيف المال عموماً:

      وصف النبي صلى الله عليه وسلم المال بأنه بركات الأرض، وبين المعنى بأنه زهرة الدنيا. ففي قوله: “بركات الأرض” إشارة إلى كنوز الأرض من زرع وذهب وبترول وغير ذلك من المعادن التي تكون على ظهر الأرض أو في باطنها. ووصف المال بزهرة الدنيا للدلالة على أنه جميل المنظر زكي الرائحة وأنه من جماليات الدنيا وبريقها.

رابعاً: فوائده الاقتصادية:

      المال هو معونة ومطية للخير لمن أخذه بحقه ووضعه في حقه. فهو وسيلة (للنمو والمنفعة  growth and utility). والوسائل في الإسلام تتكافأ شرفاً مع الغاية، ومن هنا قال الفقهاء: للوسائل حكم المقاصد. فالمال خير يأتي بالخير، وخيره يتوقف على مكتسبه، قال تعالى: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه) الأعراف، 58.

خامساً: مضاره:

    أما ضرره فمجلوب إليه من خارجه – لا من أصله. (والذي خبث لا يخرج إلّا نكداً) الأعراف، 58. فالشر مجلوب له من أخذه بغير حقه وإنفاقه في غير حقه. فهو فيه من البريق ما يغري آكله بالازدياد في الأكل لحد التلف.

سادساً: الصورة البيانية التي رسمها النبي صلى الله عليه وسلم للمال:

      شبه المسرف في حبه المال (miser) بآكلة نبات الربيع:

        أ- ففي المال إغراءات الإنفاق والاستهلاك كما يغري النبات الأخضر آكلة الخضرة، فيكون الآكل نهماً وشرهاً لا يعرف الاقتصاد في الانفاق والاستهلاك.

       ب- يصيب مكتسب المال الشره مغبة الإسراف، ومثلما تحاول آكلة الخضر تبديد ما في بطنها بالاجترار والتعرض للشمس وحيث تتبول وتلقي ما في بطنها رقيقاً، فكذلك تتناقص ما يسميه الاقتصاديون (المنفعة الحدية للاستهلاك  marginal propensity to consume)، وذلك عندما يكون إنفاقه فيما لا طائل فيه مثل الذي يخرج من بطن آكلة الخضرة.

       جـ – فيبدأ طالب المال في تجديد اكتسابه المال على غرار اجترار الماشية الطعام ومعاودة الأكل.

      د – تموت آكلة الخضر بسبب انتفاخ البطن (حبط) وانحباس الرجيع، في هذا كناية عن امساك المال وعدم انفاقه فيظل المال حبيساً لدى صاحبه ولأغراضه وحده، حيث لا يشبع منه كما لم تشبع وتكتفي آكلة الخضرة، وبهذا يرد صاحب مال كهذا موارد الهلاك. فهكذا فقد سبق الإسلام علم الإقتصاد العصري في محاربته الجشع و(اكتناز المال money hoarding)، قال الله عز وجل: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) التوبة، 34.

سابعاً: حق المال أخذاً ووضعاً:

      ذكر الحديث الشريف عبارة: “من أخذه بحقه ووضعه في حقه”، وفي هذا تأصيل لمفهوم الحقوق المالية العامة والفردية. وفي الشريعة الإسلامية تفاصيل مستفاضة عن الكسب الحلال والإنفاق الحلال، أنه كسب وانفاق يراعي فيهما المصلحة الفردية والمصلحة العامة على السواء بعيداً عن (النظرية الرأسمالية  capitalist theory) والتي توصف حدة المنافسة فيها بأنها (منافسة قطع حلقوم  cut throat competition) من لايصمد للمنافسة، كما أنها بعيدة عن (النظرية الشيوعية communist theory). فالحق هو الخير، وهو ضد الباطل، وهو الصواب، وهو المكسب السليم، وكل معاني الحق تدور حول الفضيلة التي منبعها القلب المؤمن، القلب المفعم بخير التعاون والتكافل والإحسان وما إلى ذلك من قيم الخير التي لا تعرفها قوانين الاقتصاد الغربي المادي.     

      ونخلص من هذا الحديث إلى أن المال خير إذا لم يحدث فتنة. فهو كالشعلة التى تمد المرء بالإضاءة إن أخذه بالخير وصرفه في أوجه الخير. كما يكون المال شراً وكذات الشعلة المضيئة ولكنها محرقة لمن كان تناوله لها خطأً.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
Scroll to Top