بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الأخلاقيات التطبيقية والقيم 2
لقد أدرك المجتمع الغربي خطورة إلقاء الحبل على الغارب فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا استخداماً ينقصه الوازع الأخلاقي. فالغربيون قد اكتووا بعواقب الاستخدام السئ لمخرجات العلم ذلكم الاستخدام الذي عاد عليهم بآلة حربية طحنت البشرية – إخوة الدم واللحم، وكل ذلك في حروب أثارتها وأججت نيرانها الأطماع البشرية وغياب الأخلاق الرادعة لجموح البشر.
فلما اجتاحت الحياة الغربية غلواء الفساد الأخلاقي طفق رجال الغرب ينادون بضرورة سن القوانين التي تنظم التعامل مع البيئة، ومع الإنسان ولا سيما في حقل الطب الذي جمح لانتاج جينات يخشى عليها من انتاج مخلوقات جرثومية معادية للبشر يصعب التكهن بعواقبها.
ولنا أن نتساءل: هل يكون لسن القوانين فاعلية الوازع الأخلاقي المنبعث من ضمير الإنسان وحده ؟
جاءت رسالة الإسلام لترسي قيم الحق والخير على الأرض. جاء في الحديث الشريف: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”انظر الموطأ، حسن الخلق، والمقاصد الحسنة، ص 105. واستحث الإسلام سلوكيات الإنسان نحو الخير بما آتاه به من هدى وقيم تؤمن له حياة فاضلة وعقبى محمودة، قال تعالى: (قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة، 38. ونهى الإسلام عن الفساد في الأرض، ووصف من لا يتبع الهدى بالفساد والإفساد في الأرض، قال تعالى: (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) البقرة، 205.
إن أكثر ما يميز الإسلام عن غيره من نظم التشريع الأرضية أساليب انفرد بها، منها:
أ) أنه اعتمد على ثنائية الحافز والرادع بالثواب والعقاب في الدار الآخرة. فمن لم يمنح الثواب اليوم فحقه محفوظ ليوم تغدق عليه المنح من رب كريم، ومن أفلت من العقاب اليوم فلن يفلت في يوم القيامة حيث يلقى الجزاء الأوفى من رب شديد العقاب. وهنا اعتمد الإسلام على الوازع الداخلي في ضمير الفرد واستثار فيه حمية الدين ونوازع الفطرة الخيرة في داخله؛ قال الحق عز وجل: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) الإسراء، 7. وفي شأن النفس البشرية وتصرفاتها قال تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) البقرة، 286.
ب) جعل حماية التشريعات مسؤولية الجميع، وجعلها على ألسن جميع أفراد المجتمع – مجتمعين أم فرادى. قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) آل عمران، 110. وجعل التواصي بالحق من آكد الأعمال الصالحة، فقال الله سبحانه وتعالى: (والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) العصر، 1، 2، 3. ومن هنا كانت الجماعة الإسلامية هي ضابط الفرد في سلوكه. غير أنه لن يقوم كل أفراد المجتمع بالإرشاد والتواصي بالحق إلا إذا كانوا على مفهوم واحد للحق وغاية واحدة في الدنيا والأخرى. ومن هنا كان الدين السماوي – ولا سيما رسالة الإسلام خاتمة الرسالات.
فيكفي المسلمون غايات العيش في الدنيا بسلام والدخول يوم القيامة في دار السلام بعد إيفائهم بسلوكيات الإسلام.
أما تشريعات البشر فلا تخلو من خلل ونقص في موادها- نقصاً قد يعصف بها عند التطبيق. وماذا يرجى ممن كانت همته ومعرفته دنيوية محضة ؟ ممن (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) الروم، 7.