بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
نظرة إلى المنطق
تمهيد:
خلق الله الإنسان وأبرزه إلى هذا الوجود وهو لا يعي شيئاَ ولا يدرك مما حوله أي حقيقة، ولا يفهم عن حقائق الأشياء التي تحيط به أي شي، ولكن الله عز وجل تفضل عليه بأن منحه أسباب العلم ووسائل المعرفة، قال تعالى:” وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “النحل: ٧٨ وقد تكون هذه الحواس سليمة الأحساس فتنقل نقلاً صحيحاً، وقد تكون عليلة أو مختلة فتنقل نقلاً خاطئاً أو مشوهاً. ومن هنا كان الإنسان بحاجة إلى قانون عام، ومعيار سليم يقيس بهما صحيح الفكر من فاسده، وصوابه من خطئه.
تعريف المنطق: المنطق لغة:
المنطق من قولهم: نطق نطقاً ومنطقاً أي تكلم، فكلمة منطق تشير الي الكلام، يقال نطق الرجل صار منطقياً، نطق الطائر أو نطق العود أي صوت، والمنطق الكلام. قال تعالى:” وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ” النمل 16، ويقال فلان منطقي: أي عالم بالمنطق، أو يفكر تفكيراً مستقيما.
فكلمة منطق إذاً تدل على معنى الكلام والنطق، ولم تُعْـرَف بمعنى التفكيرأو الإستدلال اللذين يعنى بهما علم المنطق إلّا بعد أن ترجمت العلوم اليونانية التي من ضمنها علم المنطق.
اما الكلمة الإنجليزية (Logic) فهي مشتقة من الكلمة اليونانية (Logos) التي تعني “الكلمة”، و”التحليلات”، ولم يرد لفظ “لوجيكا ” في كتب أرسطو كاسم لهذا العلم. ثم ورد في عصر شيشرون بمعنى الجدل إلى أنْ استعمله إسكندر الافروديسي بمعنى المنطق، ويسميه أرسطو بالعلم التحليلي.
المنطق اصطلاحاً:
وللمنطق اصطلاحات وتعاريف كثيرة أشهرها: هو علم قوانين الفكر، وهو آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر، فهو علم آلي.
إذن فالمنطق هو علم يبحث في المبادئ العامة للتفكير الصحيح، والمناهج السليمة للاستدلال، فهو يضع الشروط الضرورية التي يتم بواسطتها الانتقال من قضايا نفترض صدقها إلى النتائج اللازمة عنها.
نشأته وواضعه:
وُجِد الفكر المنطقي في حياة البشر قبل وجود فن المنطق، وذلك لما يمتلكه الإنسان من قدرات عقلية ولغوية، تمكنه من تنظيم أفكاره واقامة حججه ودحض حجج مخالفيه. وهذا التفكير المنطقي الذي يمارسه الإنسان في حياته ينبع من العقل الذي وهبه الله تعالى لعباده، وميزهم به على غيرهم من المخلوقات. وكثيراً ما يصل الإنسان بفكره إلى نتائج صحيحه إذا تم فيه مراعاة قواعد الاستدلال المنطقي والقوانين التى تهذبه وتضبط مساره وتبين طرقه الصحيحه.
أما تدوين المنطق كعلم فيرجع الفضل فيه إلى الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس، وإن وجدت اصول المنطق عند سابقيه من الفلاسفة اليونانيين، إلّا أنّ هذه الأصول لمْ تكن مقصودة بذاتها لتكون علماً قائما بذاته كما هو الحال عند أرسطو.
موضوع المنطق:
يبحث المنطق حول أمرين أساسيين:
الأول: معرفة التصورات، وهي الماهية من غير حكم عليها بنفي أو إثبات، وطريق الوصول إلى التصور يكون بالحد، وهو القول الدال على ماهية الشي، وتدخل تحت معرفة التصورات مسائل الألفاظ ودلالاتها، وما يتعلق بذلك من مسائل.
الثاني: معرفة التصديقات، وهي نسبة الحكم إلى الماهية المتصورة، وطريق الوصول إلي التصديق يكون بالقياس، وهو قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر، وتدخل تحت ذلك القضايا وأنواعها، وكما يدخل القياس: وأشكاله، وأقسامه، وأحكامه.
قوانين الفكر:
إذا كان المنطق هو علم قوانين الفكر فمعنى ذلك أن المنطق له قوانين ضابطة، وهي مبادئ ضرورية وقواعد يقينية لا بد من توافرها في كل تفكير حتى يكون متسقاً وخالياً من التناقض وهذه القوانين هي:
1/ قانون الهوية: Law of Identity
هذا القانون يشير إلى أن حقيقة الشي لا تتغير ولا تتبدل، إن الشي هو هو، أرسطو هو أرسطو ولا يمكن له أن يكون شيئاً آخر.
2/ قانون عدم التناقض: Law of Non- Contradiction
هذا القانون ينكر إمكان الجمع بين الشي ونقيضه، فلا يصح أن يصدق النقيضان، فليس صحيحاً القول أن هذا الشخص طالب وليس بطالب.
3/ قانون الثالث المرفوع: Law of The Excluded Middle Term
يشير هذا القانون إلى امتناع الوسط، بمعنى أن القضية إما أن تكون صادقة أو كاذبة، ومعنى ذلك أن أحد النقيضين لا بد أن يكون صادقاً وأن ليس هنالك أحتمال ثالث بجانب النقيضين.