بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

نحو مذاهب إسلامية فى النقد الأدبى  1

      أولاً: دحض المذاهب الأدبية الغربية:

إن حياة الإنسان يكلؤها فكره وحكمته التي ترشده وتنير له طريق السعادتين: سعادة الدار الدنيا، وسعادة الدار الأخرى. وقمة الفكر ورأس الحكمة مخافة الله، لأن من يخشى الله هم عباده العلماء الذين يتبعون هدى الله المنزل على رسله. وبذلك تزدهر حياة الإنسان وتطيب 

حينما يقوده فكره إلى اعتناق دين الله. ودين الله تعالى يهدى للتي هي أقوم من خير وعدل وإحسان، ويتم للإنسان بهذا الدين مكارم الأخلاق. فهذه ثلاثة أركان بها سعادة الإنسان: الفكر والدين والأخلاق.

      والدين المرتضى لدى الله هو الإسلام، وباعتناقه تكتمل لهذا الدين الهيمنة على فكر المؤمن، ويتحرك الإسلام فى داخل هذا الفكر والفلسفة والآداب البشرية بما كفل للبشر المسلم من اجتهاد مسترشد بقواعد الدين ومحدداته وثوابته وأصوله الراسخة من اعتقاد بوحدانية الله تعالى، وأداء للعبادات المفترضة، وقيام بالمعاملات الاجتماعية والاقتصادية المشروعة. والقول الحسن هو الأدب الحسن، أي هو الأدب الذي يقول قولاً حسناً يرتضيه الإسلام؛ وذلك لأن الأدب هو المنشور الذي منه يتوزع ضوء الدين والفكر والأخلاق بالألوان التي يرتضيها الله عز وجل.

      إن المقاصد والمضامين الفكرية للأدب الإسلامي مرتبطة بالعقيدة الصحيحة التي تعمل على خلق الإنسان الصالح والمجتمع السليم، وتجعل من الأدب في مختلف أجناسه: قصة أو رواية أو قصيدة أو مقالاً، أدباً يحرك القلوب والعقول إلى الجدية في الحياة والعمل، ويجعل التفكير والإحساس عبادة وقربة لله تعالى.

      وانطلاقاً من هذه المفاهيم الإسلامية يتموضع الأدب في قمة الأجهزة الإرشادية والتوعوية لقيادة المجتمع نحو الخير، ويذهب غيره من آداب إلحادية جفاء تذروه الرياح.

      إنه باستقراء المذاهب الأدبية الغربية يقف الأديب على حجم الإلحاد الكامن في هذه المذاهب بحكم أنها قد صدرت من إناء ذهني وقلبي يفيض بالإلحاد والكفر.

      وبالالتزام الإسلامي من جانب الأديب المسلم ينبغي الإبتعاد عن المذاهب الأدبية الغربية، مثل الكلاسيكية، الرومانسية، الواقعية، السريالية، الرمزية، وغيرها من مذاهب أدبية نشأت في الغرب، أي في بيئة تختلف تمام الإختلاف عن بيئة الإسلام. وقد حثت السنة النبوية الشريفة على مخالفة المشركين والكفار في سلوكياتهم، لأن سلوك الفرد ما هو إلّا ترجمة لمعتقده وفكره وأدبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خالفوا المشركين: وفروا اللحي، وأحفوا الشوارب” صحيح البخاري، 77 كتاب اللباس، ص 1068، الحديث رقم 5892. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم” صحيح البخاري، 77 كتاب اللباس، ص 1069، الحديث رقم 5899. فهذه المخالفة للمشركين واليهود تعطي المسلم خصوصيته وتفرد نهجه. ونرجو أن ينسحب ذات المفهوم من مخالفات الكفار إلى مجال الأدب.

      فالمجتمع الإسلامى له خصوصيته اعتقاداً وفكراً وأدباً. فلماذا يرتدي المسلم ملابس المذاهب الأدبية الجاهزة التي فصلها الغرب على مقاساته وبخيوط معتقداته ومقاسات فكره وألون أدبه ؟ وهذا السؤال بدوره يقودنا إلى تأسيس مذاهب أدبية إسلامية:

ثانياً: نحو مذاهب أدبية إسلامية:

      جاءت في القرءان الكريم والسنة النبوية الشريفة أنماط من الخطاب الأدبي، مما يشكل النواة الخصبة لمدارس ومفاهيم أدبية إسلامية خالصة. ومن هذه الأنماط الحبلى بالمذهبية الأدبية نذكر ما يلي:

 أ- المذهب التاريخي:

      ونجد هذا في القصص القرءاني الذي أشهره في سورة (يوسف) حيث يتلو المسلم قصة نبي الله سيدنا يوسف عليه السلام. كما نجد هذا القصص في سورة (القصص) وفيها سرد لما مر به سيدنا موسى عليه السلام من أحداث منذ طفولته وحتى بعثه الله تعالى إياه بالتوراة، وما لاقاه هو وقومه من فرعون مصر من اضطهاد وتشريد.

ب- مذهب الخطاب المباشر:

      ونجد هذا المذهب في خطاب سيدنا يوسف عليه السلام وهو يخاطب صاحبي السجن، قال تعالى: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلَا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلَا لله أمر ألَا تعبدوا إلَا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يوسف 39 ، 40. ووقع كثير من هذا الخطاب بين النمروذ وسيدنا إبراهيم عليه السلام، كما وقع في مخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم مشركي قريش. فنصوع الدعوة الإسلامية تحتم هذا الوضوح والصراحة في الخطاب الدعوي الذي يشكل الخطاب الأدبي رافداً من روافده.

جـ – مذهب الفيض الحدسي:

      إن المسلم صاحب شحنات روحية كثيفة، فبالاضافة للتجوال الفكري داخل الأحداث البشرية فللمسلم خصيصة الإلهامات والفراسة التي بهما يتسنى له قراءة ما وراء الأحداث في قصته أو قصيدته أو مقاله الأدبي. فهذه النظرة الفراسية والإلهامية تكسب العمل الفني متعة الإحساس الوجداني والخيال الذي يحوم حول واقعة صادقة، بعيداً عن خيال التهويمات التي لا صلة لها بالواقع. ونجد هذا النهج من الخطاب في معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء. قال تعالى: (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) آل عمران 49؛ وقال عز وجل: (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلَا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون) يوسف 37. وهذا الحدث والعلم الغيبي يرده المسلم إلى الله تعالى ببركة الإيمان بالله: إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين –  ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله.

د- المذهب العقلي أو الجدلي:

      وهذا المذهب يتسع للحوار في القصة والمسرحية، كما يتناسب مع المقالات الفكرية والفلسفية. والقرءان الكريم ملئ بالجدل المنطقي الذى جابه به الكفار والمشركين. وقد عمل مفكرو المسلمين على استنباط الأقيسة المنطقية المستخدمة في القرءان الكريم، وجاءوا بذخيرة معرفية ثرة. وأشهر ما نستأنس به في مجال الجدل ما دار بين نبي الله سيدنا إبراهيم عليه السلام وبين النمروذ عدو الله، قال تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين) البقرة 258. فمن خصائص هذا المذهب أنه يورد الحجة ويلخص نتيجتها دون أن يترك التقييم لشطحات الخيال الجامح: “فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين”.

      هذه بعض مما يمكن إطلاقه من مسميات المذاهب الأدبية الإسلامية. فلماذا إذن الإصرار من النقاد العرب على تصنيف أدبائنا تحت مسميات الرومانسية أو الواقعية أو خلافهما من المذاهب الأدبية الغربية ؟ فأدباؤنا لم يسموا أنفسهم رومانسيين. فمدرسة الديوان – على سبيل المثال – وسمت نفسها بأنها “مدرسة الشعر الجديد”. ولا نكاد نجد أحداً من شعراء هذه الفترة الكبار وصف نفسه بأنه شاعر رومانسي.فمن لم يسم نفسه، فما وجه الإلزام في أن نسميه بتسمية لا تليق به  ولم يطلقها على نفسه ؟

      وفوق هذا وذاك لماذا هذا الإنجراف مع تيار الغرب الملحد وتصنيف مدارسنا الأدبية وفق المسميات والأفكار الغربية؟ ألم يأن لنا الخروج من جحر الضب الغربي ؟

      فإن قيل إن هذه المدارس الأدبية إنما هي أسماء لفكر بشري لا تحده حواجز الأمكنة، نقول الاسم على مواصفات المسمى. فهل انطبقت حيثيات الرومانسية – بكل ما فيها من إلحاد وتمرد وغنوصية – على أدبائنا ؟ لم يحدث هذا. ولهذا فإنني أرى أن نسمي أدباءنا: (أدباء الفيض الحدسي) – وليس الأدباء الرومانسيين. وذلك نسبة لأنهم سبروا أغوار النفس والذات والتعبير عن مكنون الخلجات بوحي الفراسة الإسلامية.

      فلنبدأ فى إعادة تصنيف أدبائنا وفقاً لما ذكرنا من مذاهب أدبية إسلامية.

      ولنا عودة لهذا الموضوع إن شاء الله تعالى.

                                                               وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عبد الرحمن (ود الكبيدة)

Scroll to Top