بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم1
بقلم عبدالرحمن ود الكبيدة.
إنه مواصلة لحديثنا في مقالة: (من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم) الذي ذكرنا فيه أنّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد أعطي من التكريم والفضل ما لم يعطاه أحدٌ من الخلق قاطبة، لا ملك ولا إنس ولا جن. نقول إنه صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا وفي الأخرى. فهي سيادة نالها بمبدأ نبوته التي وجبت له قبل إكمال خلق أبينا آدم عليه السلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كتبت نبياً وآدم بين الروح والجسد” وفي رواية: “سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى وجبت لك النبوة ؟ قال: بين خلق آدم ونفخ الروح فيه” البيهقي، دلائل النبوة، ج 1، ص 389.
أرد الله أن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً؛ ولإرادة الله تعالى تعلق تنجيزي قديم هو تخصيص الأشياء فى الأزل على الوجه الذى ستوجد عليه، فمثلاً علم الله أن فلاناً يوجد بطول كذا فتخصصه الإرادة أزلاً بالذى علمه عز وجل عن فلان هذا، (وهذا تحديد إيجاده في عالم الغيب) فيأتي من ثم تخصيصه تخصيصاً صلوحياً قديماً بالهيئة التي يوجد فيها، (وهذه إمكانية إيجاده وإمكانية عدم إيجاده، يفعل ربنا ما يشاء، ولا راد لمشيئة الله تعالى) فإذا تم إيجاده تم بتخصيص تنجيزي حادث عند بروزه للوجود (وهذا إيجاده في عالم الشهود).
فبالنظر إلى هذه التعلقات نجده صلى الله عليه وسلم قد توافقت فيه هذه التعلقات بلا تخلف، فقد شاء الله تعالى اثبات النبوة له صلى الله عليه وسلم بتخصيص قديم وهذه خصيصة له صلى الله عليه وسلم. حيث كان ممكن لغيره من البشر الإيجاد والعدم؛ قال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد * إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) فاطر، 15، 16. وإيجاد غيره وإعدام غيره صلى الله عليه وسلم هو من باب لوح المحو والإثبات، أما هو صلى الله عليه وسلم فقد تقرر له الإيجاد في لوح الإثبات فقط تفضلاً منه على نبيه صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا تأكدت نبوته صلى الله عليه وسلم أزلاً ولم تتخلف، وتمت له هيئة النبوة والتكريم قبل أن يوجد في عالم الشهادة.
ولتمام مزاياه قبل أن يوجد قال تعالى في كلامه القديم الأزلي: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ماتقدم من ذنب وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً) الفتح، 1، 2. وجاء في الحديث: “يا نبي الله داود إنه سيأتي نبي من بعدك اسمه أحمد ومحمد صادقاً نبياً لا أغضب عليه أبداً ولا يعصيني أبداً وقد غفرت له قيل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر” البيهقي، دلائل النبوة، ج 1، ص 282. ولهذا الغفران الذي يسبق الخطأ جاء سبق العفو قبل العتاب، قال تعالى: (عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم) التبوبة، 43.
كما أنها سيادة نالها بمبدأ خلقه النوراني. ففي الحديث: “أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر”. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلاً: “اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، واجعل لي نوراً”؛ وفي رواية ذكر: “عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري”؛ فماذ بقي منه حتى لا يصير نوراً ؟ ! فهذه دعوة نبي مجابة. والنبي أحياناً يدعو بما أعطيه مسبقاً: “اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت”. وقد مر بنا غفران الله له في الآيات القرءانية وفي الحديث.
إذاً فمبدأ خلقه صلى الله عليه وسلم كان نوراً، ومبدأ هيأته كانت نبوة، ومبدأ تكريمه كان غفران ذنبه قبل أن يوجد جسداً وقبل أن يرتكبه.
ولسبقية العناية به صلى الله عليه وسلم فقد كان يعلم بعلم لا تحده شروط التعلم التي يتعارض فيها وجود الحضور الذهني وغياب هذا الحضور معاً، إذ من المستحيل العقلي وجود الشئ وعدمه في آن واحد وفي مكان واحد. غير أنه صلى الله عليه وسلم كان يدرك ما حصل له في حادثة شق صدره الشريف؛ فكيف بشخص تجرى له عملية جراحية كبيرة مثل شق الصدر بدون تخدير طبي، يخرج القلب، فلا يتوقف الدم عن المخ ولا تتوقف الحياة ثم هو يظل بكامل وعيه، يدرك ما تم له في هذه الجراحة؛ فأيّ علم وأيّ حضور ذهني هذا الذي يجعله يدرك بعقل في جسم نزع منه القلب- مصدر ضخ الدم في كل الجسم عامةً وفي العقل المدرك خاصةً ؟ !
فكان صلى الله عليه وسلم له الفضل والتكريم الأعظم بإرادة تنجيزية قديمة وصلوحية قديمة وتنجيزية حادثة أوجدته كما أراد له ربه أن يكون على خَلْقٍ أكمل وخُلُقٍ عظيم.