بسم الله الرحمن الرحيم
9 يوليو 2001 م 19 ربيع الثاني 1422 هـ
الأزمنة – العدد 36 – تيارات
الشريعة الإسلامية لم تحرم الذهب والحرير على الرجال
هناك بعض الناس لهم فهم يعتبرونه صحيح لتفسير الآيات القرءآنية وأنا أعتبره خاطئاً جملةً وتفصيلاً لكن يجب علينا إتاحة الفرصة لنشر هذه الآراء فإذا كانت خطأً قمنا بتصحيحها وهدينا أصحابها إلى سواء السبيل وإذا كانت صحيحة عملنا بها. هنا ننشر هذه الرسالة التي وصلتنا من الأخ علي محمد الحسن أبو قناية من أم درمان، ويرد عليها الشيخ عبد الرحمن محمد عبد الماجد ( ود الكبيدة ) من السلمة – الخرطوم … فإلى رسالة أبو قناية أولاً ….
سيدي رئيس تحرير صحيفة الأزمنة
تحية من عن الله مباركة طيبة راجياً من سيادتكم التكرم بنشر هذا الموضوع رداً على خطبة الجمعة 23 فبراير والتي بثت عبر إذاعة وتلفزيون جمهورية السودان وكان خطيبها فضيلة الشيخ البيلي جاء فيها:
1- إن الذهب والحرير حرام على رجال الأمة الإسلامية .
2- إن ميقات أهل السودان في الحج هو مدينة جدة .
وتعقيباً على ذلك نقول
إن الشريعة الإسلامية التي شرعها الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله الأعظم صلواتنا وسلامنا عليه والتي اختص فيها وحده تعالى بسلطة التشريع في الدين الإسلامي وخص رسوله الأعظم صلواتنا وسلامنا عليه بسلطة التنفيذ.
ولقد أباح الله تعالى لعباده ما في الأرض جميعاً وحرم أشياء بسيطة لا تقبل زيادة ولا نقصان قال تعالى: “ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون” 116 من سورة النحل .
وقال تعالى أيضاً: “قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل أألله أذن لكم أم على الله تفترون (59) وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون (60)” سورة يونس.
وقد أحل الله تعالى الذهب والحرير على رجال أمته ؟!!! ولم يحرمهما ؟!!! وسماهما زينة ؟!!! حيث يقول تعالى ناعياً على الذين يحرمون ما أحل: “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون” 32 الأعراف.
وقد وصف الله تعالى الذين يحرمون ما أحله بالخسران وعدم الهداية قال تعالى: “قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين” 140 الأنعام.
وقد نهى الله تعالى عباده من التشريع معه قال تعالى: “أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم” 21 الشورى.
وإحقافاً للحق الذي نهى الله تعالى عن كتمانه لقوله: “إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (159) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم (160)” البقرة.
فهلا تكرم فضيلة مولانا الشيخ البيلي بتوضيح هذا الأمر لكي لا يضل المسلم بتحريم ما أحل الله تعالى لعباده والله سبحانه وتعالى لم يحرم الذهب ولا الحرير على الرجال ولا ينبغي لبشر أن يحرم ما أحل الله ورسوله .
أما ما ذهب إليه فضيلة الشيخ البيلي أن ميقات أهل السودان في الحج هو مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية فهذا هو الحق لأن جدة ليست بحرم وهي ميقات ليس لأهل السودان فقط بل لكل من جاء إلى جدة براً كان أم بحراً أم جواً وهي ليس بحرم لأنها تبعد عن الحرم المكي بحوالي سبعين كيلومتراً ويستحيل على المسلم الإحرام في المواقيت التي حددها علماء الإسلام لحجاج بيت الله الحرام ودين الله يسر ولا عسر فيه ولا مشقة ولا حرج وقد فصل لنا كلما أراد أن يأمرنا أو ينهانا عنه في محكم تنزيله ولم يفرط فيه من شيء.
هذا ما أردت إيضاحه ؟!!!! حتى يكون المسلم على بصيرة من أمر دينه القويم الذي جاء كاملاً ومفصلاً في كتاب الله تعالى والله الهادي لمن اهتدى.
علي محمد الحسن أبو قناية *** أم درمان
بل إن الشريعة الإسلامية قد حرمت
الذهب والحرير على رجال المسلمين
الشيخ عبد الرحمن عبد الماجد ود الكبيده *** الخرطوم – السلمه
مدخل :
نه قبل بيان حرمة الذهب والحرير على الرجال نود أن نذكر القارئ بحقائق تشريعية يجمع عليها الفقهاء تلك الحقائق هي:
أولاً: إن أصول التشريع الإسلامي ومصادره ثلاثة هي الكتاب والسنة والإجتهاد وقد جاء ذلك في حديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: “كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟”، قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: “فإن لم يكن في كتاب الله”، قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “فإن لم يكن في سنة رسول الله”، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال معاذ: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري ثم قال: “الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله”.
ثانياً: قال تعالى: “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم” سورة النحل الآية 44، وعليه فإن السنة قد فصلت مجمل القرءان كما جاء في بيان وقت الصلاة وعدد ركعاتها وكيفية أدائها وخلافه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صلوا كما رأيتموني أصلي”؛ كما قيدت السنة مطلق القرءان حيث قال تعالى: “والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما” فقيدت السنة بأن يكون القطع من الرسغ؛ ثم نجد أن السنة قد خصصت ما جاء عاماً في القرءان إذ قال تعالى: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” سورة النساء الآية 11، فالحكم العام أن كل ولد وارث وكل أصل مورِّث فقصرت السنة ذلك على غير الأنبياء بقوله صلى الله عليه وسلم: “نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة”.
تحريم الذهب والحرير على رجال المسلمين:
لقد حرمت الشريعة الإسلامية على الرجال المسلمين أن يلبسوا الذهب والحرير وذلك بالأدلة الآتية:
1- جاء في صحيح البخاري (جزء4، صفحة22) عن حذيفة رضي الله عنه قال: نهانا رسول الله صل الله عليه وسلم أن نشرب في آنية من الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه.
2- عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمراً رأى حلة سبراء تباع فقال يا رسول الله لو ابتعتها تلبسها للوفود إذا أتوك ويوم الجمعة، قال: “إنما يلبس هذا من لا خلاق له” وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد ذلك إلى عمر حلة سبراء حرير كساها إياه، فقال عمر كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت، فقال: “إنما بعثت إليك لتبيعها أو تكسوها” صحيح البخاري جزء4 صفحة23.
3- جاء في لبس الذهب عن سويد بن حقرن رضي الله عنه قال سمعت البراء بن عازب رضي الله عنه يقول نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبع، نهانا عن خاتم الذهب أو قال حلقة الذهب وعن الحرير … صحيح البخاري جزء4، صفحة25 . ولقد أورد الإمام مسلم في صحيحه أحاديث تفيد نفس المعاني وذلك في الجزء 14 صفحة 34 من كتاب اللباس والزينة.
إباحة الحرير والذهب للنساء:
جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كساني النبي صلى الله عليه وسلم حلة سبراء فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي.
إستثناء القاعدة بالنسبة للرجال:
معلوم عند الفقهاء أن الضرورات تبيح المحظورات ولذلك فقد جاز لبس الحرير للحكة في الجسد، عن قتادة رضي الله عنه عن أنس رضي الله عنه قال رخص النبي صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما.
أدلة الكاتب أبي قناية على تحليل الذهب والحرير للرجال:
يقول الكاتب أبو قناية أن الذهب والحرير حلال لرجال المسلمين ويستند في ذلك على الآيات التالية:
1- “ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون” سورة النحل الآية 116.
فهل يوجد في هذه الآية دليل على عدم حرمة الذهب والحرير على الرجال أم هل تكون السنة التي بينت القرءان وحرمت الذهب والحرير على الرجال – هل تكون هذه السنة مفترية على الله الكذب ؟!!!!
2- “قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون” سورة يونس الآية 59 .
لقد فسر العلماء قوله تعالى “فجعلتم منه حراماً وحلالاً” بأن مثال ما حرموا البحيرة والسائبة وهي نِعَمٌ يوفونها على الأصنام يحرمون ظهورها وألبانها ولحومها، ومثال ما أحلوا الميتة فلا يوجد بالآية بيان صريح بأن الذهب والحرير حلال للرجال كما تفيد الآية أن من يحرم الذهب والحرير على الرجال كمن يحرم ما أحل الله.
3- “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق …” سورة الأعراف الآية 32 .
ولكننا نقول للكاتب قال تعالى: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” سورة الكهف الآية 46 . ولم يذكر في هذه الزينة الذهب والحرير … ولو سلمنا جدلاً أن الذهب والحرير يدخلان في عموم معنى الآية للزينة فقد جاء التخصيص بحرمتهما في السنة، إن هذه الآية لم تنزل لإثبات أن الذهب حلال للرجال بإعتبار أنه من زينة الحياة الدنيا، بل جاءت الآية بعد قوله تعالى: “يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربواولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” سورة الأعراف الآية 31.
4- “أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله …” سورة الشورى الآية 21 .
فما وجه الدليل من هذه الآية على أن الذهب والحرير حلال للرجال ؟! وهل كان رواة الأحاديث من الصحابة رضي الله عنهم قد تقولوا على الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله وبذلك شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله؟!!! كـــلا وحاشاهم…
وأخيراً يقول الكاتب أن عليه عدم كتمان الهدى والعلم، وأن ما يقوله إنما هو إحقاق للحق !!!
فهل من إحقاق الحق تحليل الذهب والحرير على الرجال بلا دليل لهذا التحليل الذي يدعيه؟!!
وهل في الهدى معارضة الأحاديث بآيات ليست لها دلالة المعارضة ولا تفيد المعنى الذي رمى إليه الكاتب؟.!!!
إن أخطر ما يضر بقضية الدين أن يعمد المرء إلى آيات قرءانية فيتزلها في غير ما أتت له من غرض أو معنى!!!
جاء في الأثر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟! قال ابن عباس رضي الله عنهما: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرءان فقرأناه وعلمنا فيم نزل وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرءان ولا يدرون فيم نزل فيفسرونه بالرأي فيختلفون فيقتتلون.
وقد قال عمر رضي الله عنه سيأتي قوم يجادلونكم بمشتبهات القرءان، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل .
نقول أن السير بالقرءان وحده مع تجاهل السنة كالسير على قدم واحدة لا يتقدم السائر خطوة واحدة.
هذا ما قصدنا إيضاحه وعلى الله قصد السبيل.