بسم الله الرحمن الرحيم
صحيفة الرائد العدد (90) السنة الأولى الجمعة 17 ذو القعدة 1429هـ الموافق 14 نوفمبر 2008م
أهل الله
ملحق (الرائد) الديني الفكري يصدر كل جمعة
ود الكبيدة لـ(أهل الله)
لا توجد فواصل بين التصوف والفقه
لهذه الأسباب كتبت عن الصوفية
مجهودات الشيخ دفع الله الصائم ديمه في نشر الإسلام واضحة العيان
حوار وتصوير : الزين الحجاز
إن التصوف الإسلامي بما يرمى إليه من تزكية الفرد المسلم بتخلية باطن هذا الفرد من الرزائل وتحليته بالفضائل إنما يشكل جهاد النفس الذي هو من صميم الدين الإسلامي. وفي جهاد النفس وتصفيتها تلبس بمقام الإحسان الذي ينطوي على مقامي المراقبة والمشاهدة، أي مراقبة النفس وتربيتها في سيرها إلى الله تعالى حتى تشهد له بالوحدانية وتشاهد الكل به ومنه وله سبحانه وتعالى. ثم على من تربى وزكى نفسه تقع تربية غيره نصحاً وإرشاداً. ولهذا كان التصوف الإسلامي في أساسه دعوة لتوحيد الله تعالى وغرس الفضائل في المجتمع ، تلك الفضائل التي تنمو كشجرة أصلها ثابت في واقع الناس ومعاشهم البدني، وفرعها يتجه نحو السماء والسمو الروحي وتعلق القلب بخالقه عز وجل. ولكل دعوة داع ولكل داع منهج دعوة: “ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين”- فصلت 33 .. والتصوف من مدارس الإسلام ذات المنهج الإعلامي والدعوي الرصين .
وحوارنا اليوم مع أحد رجال الدعوة الإسلامية ذات المنحى الصوفي: رجل أوقف حياته على خدمة التعليم والتربية الروحية، هو الأستاذ الشيخ عبد الرحمن محمد عبد الماجد. جابت سفينته بحار التربية والتعليم ثم رست على جودي الإرشاد الصوفي. فهو الآن يقوم بالإرشاد الصوفي في مسجد وخلوة الشيخ دفع الله الصائم ديمه بالسلمة – الخرطوم. ونحن نحاوره اليوم من منطق أنه أحد رجال الدعوة والإعلام الصوفي، ونحاوره استناداً على كتابه: (الإعلام عند الصوفية) ، ذلك الكتاب الذي ألفه وجمع فيه وأوعي عن أساليب الإعلام في التصوف الإسلامي.
1/ لماذا كتبت عن الإعلام الصوفي بالتحديد ؟
أولاً: يا أخي استهوتني طرافة الموضوع حيث أنني قلما وجدت دراسة متكاملة عن الإعلام الصوفي، هذا إذا استثنينا ما تناوله الشيخ حسن الشيخ الفاتح الشيخ قريب الله في كتابه: (دور الصوفية في ميدان الإعلام). ولهذا فإنني في كتابي: (الإعلام عند الصوفية ) قصدت إثراء مكتبة الإعلام الصوفي وهذا السبب من آكد دواعي الكتابة الأدبية والبحث العلمي. وثانياً يا أخي الزين إني رأيت رجال التصوف لا يتحدثون عن فضائل أنفسهم وأنا أحبهم ولست منهم، فأردت أن أشير إلى حميد صفاتهم وطيب أساليبهم الإعلامية، وأكون بذلك لساناً لهم عسى أن يرزقني الله تعالى لسان صدق فيهم.
2/ يقولون إن التصوف قوامه الإخلاص وعدم التشوف والتطلع إلى المدحة، فلماذا الإعلام عنه ورجاله يحبون إخفاء العمل الصالح ؟
قولك هذا صحيح إلى حد كبير فالصوفية لا يحبون الحديث عن أنفسهم ، ونحن لنا في ذلك شاهد من إرشاد أبينا الشيخ دفع الله الصائم ديمه، إذ أنه كثيراً ما يردد على مسامعنا عبارته الشهيرة: “اتحوى ما تتقوَّى” قاصداً بذلك ألّا ننسب الفعل لأنفسنا، قال تعالى “قل الله خالق كل شيء” – الرعد 16. وهذا ما جعل شطحه يتخذ صبغة الحديث عن آبائه الصوفية ولا سيّما العركيين كقوله:
وقت الحالة شالتنا
تجيب العاصي لجتنا
السكران ذوي الفتنة
يصير مجذوب بموصتنا
ولكن لمسألة الإعلام الصوفي جانب آخر، فالصوفية في نهاية المطاف أصحاب دعوة إسلامية تهفو إلى الوصول إلى كافة البشر بحكم قوله عز وجل: “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” – آل عمران 104. فهم لا يتحدثون عن أنفسهم تحاشياً لتزكية النفس، ولكنهم ينشرون دعوتهم بهدف تزكية المجتمع والدعوة إلى الخير والتعاون عل البر والتقوى. لذلك نجدهم كتبوا عن التصوف، وعقدوا حلقات الإرشاد التي تتسم بتناولهم المواعظ والحديث عن دقائق النفس وآفاتها وطرق تزكيتها.
3/ هل يلتقي الإعلام الصوفي خاصة مع الإعلام الإسلامي عامة وإن كان ثمة لقاء فما هي التقاطعات ؟
كما ذكرت في كتابي أن الإعلام الصوفي يحمل السحنتين: العامة والخاصة. فالإعلام الصوفي يلتقي مع الإعلام الإسلامي في الوسائل العامة كما ذكرنا وهي القرءان الكريم والحديث الشريف والسيرة النبوية والكتاب والخطابة وغيرها. أما الوسائل الخاصة فهي ما نجده عند الصوفية دون سواهم ممثلاً في حلقات الذكر والموالد والحوالي وغيرها والإعلام الصوفي في هذا أو ذاك يختلف عن غيره في الوسائل .فهو في عاميته ينفرد بما يعكسه من خطاب بسيط في غاية البساطة والشفافية كاستخدام اللغة العامية وسهولة اللقاء بالشيخ المرشد. كما أن الإعلام الصوفي وهو ينزع نحو الخصوصية تضيق مساحة انتشاره لنجد في داخل هذه المساحة القلة ممن ارتقوا روحياً إلى درجة تجعلهم وحدهم قادرين على فهم الخطاب الصوفي الصفوي حتى أن من لم يملك ما يملكه هؤلاء الخاصة من ذوق وعرفان لا يتسنى لهم فهم كتاباتهم، فليس كل من نصب نفسه من مثقفي الخاصة ممن هم خارج التصوف يمكنه فهم ما يكتبه – على سبيل المثال الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي.
4/ ما هي الوسائل الصوفية المبتكرة التي انفرد بها أهل التصوف دن غيرهم من المسلمين ؟
من الوسائل الإعلامية التي ابتكرها الصوفية ولم يجاريهم فيها أحد سواهم نجد: الصحبة ونعني بها ملازمة التلميذ لشيخه للاسترشاد، ونجد حلقات الذكر للسماع الصوفي وهنالك احتفالات المواسم مثل الحوليات والموالد، ثم إن هناك وسائل صامتة تتمثل في الملابس والشعارات التي كل منها يتحدث بلسان الحال مثلما تتحدث القباب والأضرحة قائلة إن فيها رجالاً صالحين.
5/ لماذا تكون غالبية المدائح والقصائد الصوفية في الوطن العربي على اللغة العامية لكل بلد ؟ ألا يوثر ذلك على الصلة والتواصل بين الطرق الصوفية في الوطن العربي الواحد ؟
هذه ملاحظة طيبة، فإننا إذا وجدنا إكثار الصوفية المتأخرين – في أي بلد – من نظم الأشعار باللغة الدارجية – أي لغة البلد المحلية فإن مرد ذلك إلى أن التصوف دعوة شعبية متغلغلة في الوسط الشعبي. نقول شعبية لأنه ينبني على البساطة الفطرية للدين الإسلامي بعيداً عن تعقيدات الفقه أوالتوحيد، ولهذا نجد القصيدة الصوفية سهلة العبارة، تخاطب العامي وهي مباني سهلة الاختراق للعامي؛ حتى إذا ولج هذا العامي مبنى القصيدة وجد فيها المعنى العميق فترتقي روحه من الشعبية إلى الصفوية – وكل بحسب استعداده الروحي والعقلي. فالتصوف الإسلامي هدفه إيصال المعرفة الإسلامية الأساسية التي يسر الله تعالى فيها الذكر ولم يجعل الله لنا فيها من حرج التعمية والخطاب المتعالي أي هدفه أن يعرف الناس توحيد الله عز وجل وقدر المصطفى صلي الله عليه وسلم، وحول ذلك يدندنون.
وهذه اللغة الدارجية يا أخي لا تؤثر البتة على التواصل العربي الصوفي. فالأغراض الشعرية تفرض معناها على المستمع لأن معانيها مشتركة ومتوحدة توحد معاني توحيد الله عز وجل ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم. كما أن الفارق في اللهجات العربية ليس بالكبير الذي يصعب معه تبادل الفهم هذا إذا أخذنا في الاعتبار وسائل الاتصال الحديثة كالفضائيات التي تطرق كل البلاد العربية بشتى اللهجات العربية التي أصبح المشاهد والمستمع يألفها ويتفهمها دونما عناء.
6/ إلى أي حد أسهمت هذه الوسائل الصوفية في نشر التصوف والدين الإسلامي ؟
إذا اتخذنا السودان كنموذج للتصوف ففي كتابي قلت إنه: “لم تكن ثمة حدود فاصلة بين حركة التصوف والحركة العلمية الدينية، وذلك لأن، أكثر العلماء كانوا علماء ومتصوفة في آن واحد مما جعل مراكز الجماعات الصوفية تؤدي دوراً رائداً في نشر الدعوة إلى الإسلام ونشر العلوم الدينية
والعربية عن طريق إنشاء مراكزهم العلمية الأصلية المتمثلة في المساجد الزوايا والخلوات (الخلاوى)”.
فإذا أخذنا الدور الذي قام به الشيخ دفع الله الصائم ديمه في نشر الدعوة الإسلامية ولا سيّما في مناطق غير المسلمين نجد هذا الدور يتضح جلياً بما أحدثه الشيخ دفع الله الصائم ديمه من تحول في جبال الإنقسنا ففي خلال عامين فقط (1990-1992) استطاع هذا الشيخ الجليل أن يفتتح 7 مساجد، 3 خلاوي لتحفيظ القرءان الكريم بها 13 شيخاً للتحفيظ، 6 زوايا للتعليم والإرشاد الديني. وهذه الفترة بدأت بإدخال 307 مواطناً في الإسلام ثم تصاعد العدد حتى بلغ 3408 مواطناً قد أسلموا. والجدير بالذكر أن هذا النشاط الدعوي قد أوفد له الشيخ دفع الله الصائم ديمه الأخ الشيخ صديق علي القائم حالياً بالمشيخة على مجمع مسجد وخلاوي الشيخ دفع الله الصائم ديمه بسنار المدينة، يلاحظ قصر المدة التي تم فيها هذا العمل الدعوي إذ غطى الفترة 1990 -1992 (سنتين فقط ). وتم هذا العمل في أربعة قوافل رئيسة ثم تمتد رعاية الخليفة الشيخ أحمد عبد الباقي لهذه المؤسسات الدينية، ففي عهده حتى الآن تم إفتتاح 4 مساجد، 7 زوايا بخلاويها . وكل ذلك بمعاونة الشيخ صديق علي.
وفي أكتوبر من هذا العام (2008م) قد زار الخليفة الشيخ أحمد عبد الباقي بن الشيخ دفع الله الصائم ديمه منطقة الإنقسنا برفقة بعض مريديه وذلك لتفقد هذه المساجد والخلاوي والزوايا. وقد أثمرت هذه الزيارة في تنشيط العمل الدعوي والإرشادي وتبني عدة مشاريع تشمل تحسين المباني وتطويرها بالمواد الثابتة والاستعداد لحفر بعض آبار مياه الشرب وبناء بعض الفصول في المدارس. نقول أن هذا العمل الإسلامي الصوفي الكبير قد تم على المنهج الصوفي الإعلامي الذي أبرز ما فيه أنه حقق الآتي:
أولاً: توفير الجهد التربوي حيث أن المسجد والخلوة والزاوية كل منها يقوم بمهمة المؤسسة التربوية المتكاملة.
ثانياً : توفير النفقة من كساء وطعام وعلاج جذب المواطنين للخلوة والزاوية.
إن سماحة الأسلوب الدعوي الصوفي وتنوع وسائل ومؤسسات الدعوة (مسجد، خلوة، زاوية)، وتأهيل الدعاة من أبناء المنطقة كل ذلك ساعد في استجابة المدعوين وتوسيع رقعة الدعوة إلى الإسلام والتصوف.
7/ ما مدى التأثير والتأثر بين الوسائل الإعلامية الصوفية والوسائل الإسلامية الأخرى ؟
إن تأثر الإعلام الصوفي بغيره من الوسائل قد انعكس في استخدام الصوفية لوسائل الإعلام الحديثة من الشبكة العالمية العنكبوتية (انترنت)، واستخدامهم لأجهزة تخزين المعلومات من حاسوب وأقراص مضغوطة وغيرها، كما استخدموا المعارض للإعلام عن التصوف.
أما تأثر الآخرين بالوسائل الإعلامية الصوفية فقد برز في التوجه العام نحو المدائح وإن أُدخلت عليها الآلات الموسيقية الحديثة.
كما اتجه المجتمع إلى إقامة الجمعيات الخيرية التي تقدم الخدمات الاجتماعية على غرار ما يفعله الصوفية من رعاية وعناية بضعفاء المجتمع. ولا يفوتنا ذكر المدارس القرءآنية التي تجئ نتيجة صحوة دينية تستلهم تجربة خلاوي تحفيظ القرءان عند الصوفية. وحلقات الذكر بملابسها وإنشادها الملحمي الجماعي وديكورها المتمثل في الملابس واستخدام الألوان كبديل لغوي للتعبير باللون والرمز كل ذلك ألهم أصحاب الدراما الشعبية فتناولوا هذا النمط الصوفي الفني وخلقوا منه ما يمكن أن نطلق عليه اسم: (الدراما الصوفية).
8/ هل يعاني الإعلام الصوفي من مشاكل ؟ وما هي حلولها ؟
أجل الإعلام الصوفي تعتريه مشاكل عديدة، فبجانب المشاكل والهموم التي تلحق بالإعلام الإسلامي عامة مثل ضعف التمويل وعدم الكادر الإعلامي المهني المدرب، فهنالك مشاكل تخص الإعلام الصوفي وتتمثل في محورين: المحور الفكري وأبرزه عدم استيعاب وفهم القارئ أو المستمع لبعض نصوص الخطاب الصوفي. ولكن ما نود أن نقرره هنا هو أن النص الصوفي يعتمد على المذاق الوجداني والتجربة الشخصية التي لا يفهمها إلا من ذاقها. فألفاظهم من علم الحال وليست على حد المقال، قال الشاعر:
ما يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
ولذا جاء الرمز عند الصوفية أحياناً كتعبير استهدف ستر مجالس الحق في مراتب الوجود الأعلى بالرمز والإشارة وذلك إما بهدف صون السر أو لقصور العبارة عن الإيفاء بما يختلج في دواخل صاحب الحال.