بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

قال المداد مقالة لو تعيها إذن واعية    ! !

أخي الدكتور فايز . . التحية لك وأنت تخط بيمينك ما لا ريب في أنه رفدٌ ثرٌّ للحياة الأدبية. واليوم يتشح مدادك برداء يضوع منه عبير حب الوطن، إعلاناً بحب من سكن الديارَ.

راق لي طرحك المرتب والذي قد أخذني وهوَّمَ بي في فضاءات تراقصت فيه كلماتك بالآمال العذبة لإنشاء مجتمع أو (دولة مرفهة وراقية ومتقدمة). لست مستدركاً على فكرة طرحتها، ولكني متجاوب مع رأيك. فقط أود أن أنضوي تحت نفس الراية التي نرجو أن ننسج سداها ولحمتها معاً.

أقول: نعم للخطة والاستراتيجية والإدارة التي نوهت إليها.

أجل لقد كان اصلاح المجتمع وبناء الدول شغل الفلاسفة والمفكرين قبل أن يكون شغل التنفيذيين من رجال السياسة. فقد برز إلينا في غابر الزمان الفيلسوف افلاطون ( 427 – 347 ق. م. ) بمدينته الفاضلة التي جعل إدارتها على يد الفلاسفة إيماناً منه بأن الفكر هو الذي ينبغي أن يقود المجتمع. وكان ذلك عندما كان الفيلسوف هو المُنَظِّر لشؤون الفكر والاجتماع والقضاء والقانون وحتى الأدب والفنون، أي هو الرجل الموسوعي الذي يسع علماً (بالوسع البشري)، وبهذا العلم يسع رعيته بشتي أمزجتها وأفهامها.

وها هو الفارابي (870 – 950م) الفيلسوف العربي وعالم المنطق والفيزياء والكيمياء والرياضيات والطب والفلك والموسيقى، قد كتب “آراء أهل المدينة الفاضلة “. أسس الفارابي مدينته على العدل والعلم، وعلى إدارة الحاكم القدوة بما يقدمه من صفات تحتذى.

وفي كل ما كتبه الفلاسفة عن تشكيل الدول والمجتمعات فإنما هدفهم أن يقاد الواقعُ بالفكر المستنير، لا أن ينجرف الفكرُ مع تيار الواقع الدنئ، فينقلب الفكر غثاءً كغثاء السيل، ويغدو فكراً ضحلاً وغثاً لا يأتي بخير إينما يوجهه صاحبه.

ويتواصل الخير في الأمة المحمدية على نبيها الصلاة والسلام. فينبري الكتاب والأدباء والمصلحون لرسم مجتمع الخير الذي ينشدونه.

فعلى سبيل التذييل لمقال الأستاذ فايز أقول:

* لا يقوم المجتمع الفاضل إلا باتباع قوله تعالى: (اقرأ)، وقد التقط الشاعر الحكمة فقال:

                     بالعلم والمال يبني الناس ملكهم   

                                 لم يبن ملك على جهل وإقلال

وقد ورد في الحديث النبوي: “أنما بعثت مُعلِّماً”

* والعلم لا يؤتي أكله إلا (بالأدب) أو إن شئت فقل (بالتربية).

* وقد كملت أخلاق النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال عنه ربه عز وجل: (وإنك لعلى خلق عظيم) ، وقال هو عن نفسه: “أدبني ربي فأحسن تأديبي”. وبهذا استطاع قيادة أمته إلى خيري الدنيا والآخرة.

* ووزارة التربية والتعليم تتوخي من صناعتها أن يتعلم ويتأدب ويفلح أبناء المؤسسات التربوية والتعليمية، يقيناً منها أنه: “ما أفلح مَنْ أفلح إلا بصحبة مَنْ أفلح” – المعلم الصالح.

* والصحبة في هذه المؤسسات تقوم على المعلم – قلب المسألة التعليمية التي إن صلح، صلحت المؤسسة، وقد قال الشاعر:

                        إذا المعلم ساء لحظ بصيرة    

                               جاءت على يده البصائر حولا

إذاً نبدأ بالاهتمام بالمعلم تأهيلا وتدريباً وتوفيراً له سبل العيش المادي الكريم، وهو الذي يترنم زهداً: “ليس بالخبز وحده يحي الإنسان”، فلا أقل من أن نطارحه الشعر والغناء بأن: “ثكلتنا أمنا أن ندعك تهان”.

* و (إقرأ) كانت إيذاناً بانزال المنهج – (القرءان). وهل ثمة قراءة بلا منهج ؟ فإصلاح المنهج هو الركيزة الثانية بعد المعلم.

* و(اقرأ) في دور علمنا تأتينا بمنهجٍ صِيغَ لنا علي يد مَنْ نثق في علمه وتجرده للخير مِنْ رجال التربية والتعليم.

* أما قوله تعالى: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) فهي منطلق البحث العلمي الذي يهب الأمة علماً تنتفع به. والذي لا يبحث لا يجد شيئاً. فبالبحث والنظر في الكونيات تتنزل علينا معرفة ما يُرَي بنظر العين من العلوم، وكذلك معرفة ما يُرَى بنور البصيرة من إيمانيات، ولهذ مُنِحنا عينين ثنتين، ومساريهما يلتقيان رغماً عن برزخ الخصوصيات، والَّا كنا مِمَّنْ: (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون).

وفوق هذا وذاك لابد من الصدق والإخلاص والأمانة، وإلا فلا تعليم ولا تربية. والمسألة كلها سلسلة من المتلازمات والإلزامات، ورحم الله أجدادنا الذين فلسفوا لنا الحياة في الحكمة الشعبية لطالب الحاجة: “العروس عاوزة الدولاب، والدولاب عند النجار، والنجار عاوز فلوس، والفلوس عند العريس، والعريس عاوز دين ولو بشيك مصرفي”. وعلى غرار الأغنية الإنجليزية :

 ”      For want of a nail the horseshoe was lost   “

أقول: إنه بعدم الأمانة ضَحُل المنهج، وبضحالة المنهج تاه المعلم، وبتوهان المعلم جهل الطالب، وبجهل الطالب تخلَّفَ مجتمع، وكل ذلك بعدم الأمانة. والأمانة هي التي انبرى الأنسان بسبب ظلمه وجهله لتحملها من دون السماوات والأرض والجبال، فمنهم مَنْ سابقَ بالقيام بها، ومنهم من اقتصد فيها، ومنهم من سولت له نفسه الظلم فأجحف في القيام بها وعزف عنها، ومن هنا جاء صراع البشر لاقامة المجتمع الفاضل، وهو صراعٌ (الفائزُ) فيه يُضاعف له الأجر والمقصر فيه مأجور  على نيته.

أخي فايز أعجبني مقالك ففجر في داخلي هذا الاسهاب – والمعلم صناعته وبضاعته الكلام. فاعذرني.

ولنا عودة وتفصيل وبيان: ما المعلم؟ ما المنهج؟ ما البيئة التعليمية؟ ما وسائل وغايات التعليم؟ المفاهيم والمدارك، اقتصاديات التعليم والإنسان كائن اقتصادي – ذو حاجات اقتصادية قيل له بسببها: (اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما)، ولاحقته الحاجة الإقتصادية على الأرض فقيل له – تهذيباً وتقويماً لحاجته: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . وتمهيدً لكل نشاطاته الدينية والدنيوية علَّمَه ربُّه الأسماءَ كلَّها. فالعلم . . العلم.

     أخوك/ عبد الرحمن محمد عبد الماجد ود الكبيدة
9 مايو 2020م.
Scroll to Top