بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

فلسفة الضحك والدعابة

بقلم / عبد الرحمن (ود الكبيدة)

      قال تعالى: (إنه هو أضحكى وأبكى) النجم، 43.

   الضحك حالة وجدانية انفعالية وملكة إنسانية يمتاز بها الإنسان وحده عن باقي الحيوانات. ولكنها ليست غريزة فطرية كغريزة الحفاظ على الحياة التي تستوجب 

طلب الطعام، وإلّا لوجدناها عند الإنسان والحيوان على السواء. إذاً هي ميل فطري ولكنه مشوب بفهم عقلي لا يوجد لدي الحيوان، وهذا الجانب العقلي هو الذي يجعل تفاوت الناس في الإستجابة للنكتة بحسب مقدرة الناس في إدراك مرامي هذه النكتة.

      وأصل الضحك هو الفجائية التي تنتاب النفس. تكون النفس هادئة ومتماسكة، فتحدث المفارقة في النكتة أو الدعابة التي تنقل النفس نقلة مفاجئة يحدث على أثرها هزة للنفس فيتفاعل معها الجسد بالضحك. وهذه الفجائية قد يكون مصدرها المفارقة في الموقف المحكي. وأظهر ما يكون ذلك في مسرح الكوميديا (الملهاة)، حيث يعرض للمشاهد موقفاً جاداً ولكنه في ثوب هزلي، كانتقاد ظاهرة اجتماعية بعرضها في ثوب يضحك. ومثال آخر للفكاهة المضحكة المبكية في آن واحد نجده في فن الكاريكاتور (الرسم الضاحك) الذي ينم عن نقد ظاهرة معينة بعرضها في أسلوب من الرسم ضاحك. ومن هنا قيل: “شر البلية ما يضحك”. فالبلاء أمر محزن، ولكنه يضحك عندما يكون قد أتى عن طريق المفارقة، حيث لا ينبغي لهذا البلاء أن يحدث بعدم تمكن أسباب وقوعه، ولكن إثارة اللامتوقع باجتماع النقيضين وتجاورهما رغماً عن تنافرهما هو الذي يحدث الدهشة، ومن ثم الانفجار في تفاعل تتجاور فيه الفرحة مع الاستغراب، فيتم الفرح الظاهري بالتجاور مع غضب النقد الباطني للظاهرة المسكوبة في الكوميديا، فيحدث الضحك كمتنفس لهذه الشحنات العاطفية المتناقضة.

      وأكثر ما يستخدم في الكوميديا والرسم الضاحك هو التورية والمجاز والكناية ما شابه ذلك من أساليب اللغة التي تعطي مفهومين يكون في ظاهرهما التناقض ولكن في باطنهما الاتفاق، وهنا تكون هزة المفارقة التي تستدعي الضحك. 

      إن الضحك قد يكون مقياساً للشخصية وتقييماً لأبعادها وقيمها، لأن الضحك هو النافذة التي تطلّ منها دواخل الإنسان، وتحكي ما في بعديه من الإنطواء والإنبساط. وذلك لأن الضحك يتوقف على الحالة المزاجية التي يوجد فيها الإنسان لحظة استجابته للضحك، كما يحدد مدى تذوق الإنسان للفكاهة وإدراكه للموقف الكوميدي.

      * مسوغات الضحك: يضحك الإنسان عندما يواجه مواقف فكرية أو عاطفية معينة، منها:

1- الدعابة اللفظية:

وتعتمد هذه الدعابة على المفارقة اللغوية. طلبت أمرأة من النبي صلى الله عليه وسلم:أن يدعو لها الله يدخلها الجنة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:”يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز”. فولت المرأة تبكي، فقال: “اخبروها أنها لا تدخل وهي عجوز، إن الله تعالى قال: (إنا أنشأناهن إنشاءً * فجعلناهن أبكاراً * عرباً أتراباً) الواقعة، 35، 36، 37″. فالمفارقة هنا هي في الزمن الذي تكون فيه المرأة عجوزاً، قصد به النبي صلى الله عليه وسلم:يوم الآخرة وفهمت منه المرأة عمرها الحالي. ولم تكن هذه الدعابة بلا طائل، فقد أفادها بكاؤها الشوق إلى الجنة، والبشارة في دخولها وهي شابة.

2- النكتة:

 تعتمد النكتة على فكرة ونص وإلقاء وخلفية ثقافية، ومنها الأسئلة والأجوبة غير المتوقعة، وتدخل الألغاز في هذا الباب من النكات.

3- الطرفة:

وهي حكاية أطول من النكتة، وهي لا تثير الضحك بشكل سريع ، بل تتطلب التفكير لاستيعابها والتفاعل معها.

      وقد تحدث الإسلام في شأن الضحك، مجوزاً وناهياً، وآمراً بالتبسم في وجه الأخ، وكل ذلك بحسب أغراض الضحك:

      * حث الإسلام على التبسم وطرح الجبين عند مقابلة الأخ لأخيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:”وتبسمك في وجه أخيك صدقة”. وهذا ضحك ينم عن التجاوب مع الآخرين،وحب الخير لهم.

      * وفي المقابل نهى الإسلام عن الضحك الذي يؤذي الآخرين، وغالبه ما يكون في السخرية، قال تعالى: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) المطففين، 29. وقال تعال: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن) الحجرات، 11.

فوائد الضحك:

  للضحك فوائد اجتماعية، هي خلق الترابط  والتفاعل الاجتماعي، ولهذا قيل: “أضحك، تضحك الدنيا معك”.  كما أن للضحك فوائد طبية، وهي أنه يساعد على تدفق وجريان الدم وتوسيع الأوردة ويطرد كمية من ثاني أكسيد الكربون من الرئة ويقوي عضلات القلب ويقلل من الهرمونات السالبة التي تزيد من ضغط الخلايا العصبية وتزيد في توتر الأدرينالين الذي يسبب مرض السكر، فعموماً يقوي الضحك مناعة الجسم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Scroll to Top