بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فصاحة القرءان

للباقلاني

 “إن نظم القرءان على تصرف وجوهه واختلاف مذاهبه، خارج عن المعهود من نظام كلام العرب، ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم، وله أسلوب يختص به ويتميز تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد.

      وليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والتصرف البديع، والمعاني اللطيفة، والفوائد الغزيرة، والحكم الكثيرة، والتناسب في البلاغة، والتشابه في البراعة، على هذا الطول وهذا القدر، وإنما تُنسب إلى حكيمهم كلمات معددودة، وألفاظ 

قليلة،  وإلى شاعرهم قصائد محصورة، يقع فيها أحياناً الاختلال والاختلاف والتعمل والتكلف، والتجوز والتعسف. وقد جاء القرءان على كثرته وطوله، متناسباً في الفصاحة، على ما وصفه الله تعالى به، فقال: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله). (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً).

      وذلك إلى أن عجيب نظمه، وبديع تأليفه، لا يتفاوت، ولا يتباين، على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف إليها، من ذكر قصص ومواعظ، واحتجاج، وحكم وأحكام، وإعذار وإنذار، ووعد ووعيد، وتبشير وتخويف، وأوصاف، وتعليم أخلاق كريمة، وشيم رفيعة، وسيَر مأثورة، وغير ذلك من الوجوه التي يشتمل عليها. ونجد كلام البليغ الكامل، الشاعر المفلق، والخطيب المصقع، يخالف على حسب اختلاف هذه الأمور، فمن الشعراء من يجوِّد في المدح دون الهجو، ومنهم من يجود في الهجو دون المدح، ومنهم من يسبق في التقريظ دون التأبين، ومنهم من يجود في التأبين دون التقريظ ……

     وقد تأملنا نظم القرءان فوجدنا جميع ما يتصرف فيه من الوجوه التي ذكرناها على حد واحد في حسن النظم، وبديع التأليف والرصف، لا تفاوت فيه ولا انحطاط عن المنزلة العليا، ولا إسفاف فيه إلى الرتبة الدنيا، وكذلك قد تأملنا ما تنصرف إليه وجوه الخطاب من الآيات الطويلة والقصيرة، فرأينا الإعجاز في جميعها على حد واحد لا يختلف”.

                                                         وصلى الله ربي ثم سلم على سيدنا محمد وعلى آله وصبه الكرام.

**  انتهى بتصرف **
     بقلم / عبد الرحمن (ود الكبيدة)

Scroll to Top