بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الطهارة في الإسلام (1)
لقد أكد الإسلام على أهمية الطهارة، ووضع لها وزناً ثقيلاً في كل نشاط يقوم به المسلم. ومن ذلك أنه بدأ بها الدخول في حظيرة الإسلام، فجعل أول نشاط وأول نسك يقوم به من دخل أو من أراد الدخول في الإسلام هو قيامه بالغسل، وهو
أن يغسل المرء جميع جسده بكيفية معلومة في الإسلام يدخل فيها وضوء الصلاة. عن قيس بن عاصم أنه أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماءٍ وسدرٍ. سنن النسائي، 1 كتاب الطهارة، 126 باب غسل الكافر إذا أسلم، حديث رقم 188، ص 56.
ومن المعلوم أن الميت في الإسلام يغسل بإحدى كيفيات غسل من دخل في الإسلام. وفي هذا إشارة إلى أن الداخل في الإسلام كمن دخل في الحياة بمفهوم قوله تعالى: (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زُيِّن للكافرين ما كانوا يعملون) الأنعام، 122.
قال الطبري في تفسير الآية: أحييناه: هديناه، قيل: عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ كمن مثله في الطلمات: يعني الشرك هاهنا، قيل: يعني بهذا أبو جهل لعنه الله. فكان الداخل في الإسلام كالخارج من موت الكفر يجب عليه الغسل. والطريف في هذا الغسل أنه يكون بالماء والسدر كغسل الميت بالماء والسدر.
أما الذي يأوي إلى فراشه فهو كمن يذهب إلى نوع من الموت يصيب النائم، قال تعالى: (الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الزمر، 42. ولهذا فقد حضت السنة النبوية على الطهارة عند الخلود إلى النوم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أتيت إلى فراشك توضأ وضوءك للصلاة” سنن أبي داود، 35 كتاب الأدب، أبواب النوم، 107 باب ما يقول عند النوم، حديث رقم 5048، ص 761.
وما بين الحياة والموت يتحرك الإنسان في سعيه وعباداته ربه. وكل العبادات قد بنيت على الطهارة.
فالصلاة لا تصح بلا وضوء. ففي الحديث: “لا تقبل صلاة بغير طهور” سنن الترمذي، أبواب الطهارة، 1 باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “مفتاح الصلاة الطهور” سنن الترمذي، أبواب الطهارة، 3 ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، ج 1، ص 5، الحديث رقم 3.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “نزلت في أهل قباء- فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين – التوبة، 108، قال: كانوا يستنجون بالماء” سنن الترمذي، أبواب تفسير القرءان، ج 4، ص 344، الحديث رقم 5098.
وشعائر الحج تؤدَّىَ على طهارة. فقد اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم لدخول مكة. وطواف الكعبة لا يكون بغير وضوء وطهارة، ولهذا لا تتطوف الحائض. فالطواف بدرجة الصلاة التي يمنع فيها الكلام ولا يباح إلّا في الخير.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الطهور والوضوء بما يؤكد أهمية الطهارة وفضيلتها.
أ) فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصلاة نور، والصدقة برهان، والوضوء ضياء” سنن الدارمي، 1 كتاب الطهارة، 2 باب ما جاء في الطهور، الحديث رقم 653، ص 155. قال تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً) يونس، 5. الشمس ذات ضياء يتوهج ويتولد ذاتياً من الشمس نفسها، ولكن نور القمر مكتسب من الشمس، فكما يستمد القمر من الشمس نوره، كذلك تستمد الصلاة وجودها من الوضوء، فإنه لا نور للقمر بلا ضياء الشمس، ولا نور للصلاة بلا ضياء الوضوء.
ب) عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب” سنن النسائي،1 كتاب الطهارة، 166 باب وضوء الجنب إذا نام، حديث رقم 261، ص 72. يدل هذا الحديث على أن نزول الرحمة التي تحملها الملائكة مرتبط بالطهارة وجوداً وعدماً.
هذا ما كان من شأن طهارة البدن والثوب والمكان، أي طهارة الظاهر. وفي الحديث القادم سوف نتناول طهارة الباطن- القلب والروح، إن شاء الله تعالى.