بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الرد على رومانسية النبي صلى الله عليه وسلم

أعزائي أهل السلوك والرقائق الروحية:

السلام عليكم. وبعد

وصلتني في الواتساب هذه الرسالة التي تتحدث عن رومانسية النبي صلى الله عليه وسلم. وقمت بالرد عليها في الواتساب. وضاع مني ذاك الرد. وهانا أحاول استذكار ردي وهو مأخوذ من كتابي “هل للرومانسية علاقة بالتصوف” – تأليف عبدالرحمن ود الكبيدة، لم يطبع بعد. وجاء فيه ما معناه – بتصرف:

      إن للإنسان فكراً وعاطفة، يتناوبان ويتحدان في قيادة الإنسان وتشكيل سلوكه، ولا سيما الإنسان الغربي الذي لا هادي له من الدين والقياد الروحي الرباني.

      فالحركات الأدبية والفنية في أوربا هي وليدة الأفكار والاتجاهات الفلسفية التي سادت كل حقبة تاريخية.

      يستخدم النقاد “الرومانسية” في كثير من الأحيان لوصف حركة أدبية اكتسحت أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر ومنتصف التاسع عشر الميلادي.

      فمن قبل الرومانسية سادت فلسفات تمثلت في مثالية ديكارت وبيركلي، وحسية بيكون وجون لوك.

      ثم جاءت الرومانسية وهي في جوهرها ثورة تحررية للأدب. فأخذت الرومانسية من ديفيد هيوم فلسفته المادية الحسية وتحررت من المثالية والكلاسيكية وثارت على تقليد النظم الإغريقية الأدبية. وتبنت النزعة الإلحادية من فلسفة ديدرو. أما النزعة الفردية فقد وجدتها الرومانسية في فلسفة كيركيجارد أبي الوجودية. ومن الفيلسوف نيتشه سارت الرومانسية في خط التمرد واستعلاء الفرد. ومن الفيلسوف الألماني شوبنهور تبنت الرومانسية النزعة التشاؤمية.

      ونسبة لاضمحلال العقلانية، وسيادة الخليط من الفلسفات المثالية الروحية والمادية التجريبية معاً فقد برزت السمة الرومانسية التي تمثلت في النزوع نحو الروحانيات – وإن كانت روحانيات ملحدة اتخذت من الذات البشرية والطبيعة إلهاً يخاطب ويناجى روحياً. وبسبب هذا المنزع الروحي فقد ركز الخياليون الرومانسيون على امتداح الغرائز الطبيعية لبني البشر، وكتبوا عن عواطفهم وأحاسيسهم الخاصة. ولهذا اتخذت الرومانسية ملامح وسمات عديدة بتعدد الأفراد ونزعاتهم.

      وكل هذا القلق والاضطراب وكل هذا التناقض الذي اتسمت به الرومانسية أوجد حالة نفسية، تكاثرت فيها الفيروسات الذهنية للشك والإلحاد، وتمطى فيها الخواء الروحي، ويمكننا الاستشهاد بأبيات فولتير الذي يعد مؤسس الرومانسية في فرنسا:

إن الكون يناقضك ويناقض قلبك

ويدحض مئة مرة أوهام عقلك

ما هو رأي هذا العقل الأوسع؟

صمتاً ، إن كتاب القدر مغلق علينا

إن الإنسان غريب في بحثه ولا يعرف من أين يجئ وإلى أين يذهب

ذرات معذبة في فراش من طين يبتلعها الموت ، سخرية القدر

إن وجودنا ممزوج باللانهائي ولن نرى أنفسنا أونعرفها أبداً

إن هذا العالم مسرح للكبرياء والخطأ

يعج بالمجانين المرضى الذين يتحدثون عن السعادة .

      تلكم هي الرومانسية. مذهب أدبي وسلوكي وفلسفي لا علاقة له بالإسلام الذي يتفرد في كل شئ عن الغرب واخلاقياته وأفكاره وأدبياته.

      جاء في الحديث الشريف “حفوا الشوارب واطلقوا اللحي” بتصريح المخالفة لليهود ! فكيف نتفق معهم في مسمياتهم السلوكية التي تتخذ طابعهم الفكري والفلسفي ؟ !

      لا يا أعزائي ما ترونه من سلوك رباني لدى الرسول صلى الله عليه سلم إنما هو من رقائق الوحي الإلهي الذي أدب به المولى عز وجل رسوله الكريم فأحسن تأديبه، وجعل هذه الآداب محط اقتداء المسلمين وتأسيهم بالنبي الكريم.

      إن خالفناهم في شكل اللحية والشارب، فدعونا نخالفهم في جوهر السلوك وهذا هو لباب المخالفة.

      دعونا من الرقة الزائفة لدى الرومانسية الغربية.

      تعالوا معي نسمي الأشياء بمسمياتها الإسلامية:

هي الرحمة: “وجعل بينكم مودة ورحمة”. هي الود: “سيجعل لهم الرحمن وداً”. هي الحب: “يحبهم ويحبونه”.

هي التواضع: “أذلة على المؤمنين”. هي الإيثار: “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”.

هي الإخاء: “إنما المؤمنون إخوة”. هي تبادل الهدايا وجبر الخواطر وخدمة النفس والأهل: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويخدم نفسه ويخدم أهله”.

وهي ما لا حصر له من الخلق الإسلامي الحسن: “أقربكم من مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً”.

      نقول الخلق الإسلامي، لأن ما جاء من خلق يبدو حسناً وهو بلا إسلام إنما يتعب صاحبه في الدنيا بقلق الرياء والتشوف وتوخي العوض الدنيوي، يكون هباءً منثوراً يوم القيامة.

      هي إسلامية- لا رومانسية: “هو سماكم المسلمين”؛ إيمانية- لا إلحادية: “يا أيها المؤمنون”.

      وبالله التوفيق.

 كتبه الفقير إلى الله تعالى/ عبد الرحمن محمد عبد الماجد ود الكبيدة.
27 رمضان 1436هـ / 14 يوليو 2015م.
Scroll to Top