بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الترجمة عند العرب والمسلمين 1

بقلم عبد الرحمن ود الكبيدة:

عبر مسيرة الحضارات، كانت الترجمة جسرًا أساسيًّا لنقل المعرفة والعلم بين الشعوب، فقد كانت خطى التطور بكل مستوياته، تمضي من خلال حركات ترجمة كبرى، تنقل للشعوب الفتية الناهضة خلاصة ما توصّلت إليه الحركة العلمية والفنية والفكرية للشعوب الأسبق منها، والتي قطعت شوطًا أكبر على درب التقدم.

الترجمة في العصر الجاهلي:

عرف العرب الترجمة منذ أقدم عصورهم، ولقد أشار الدكتور عبد السلام كفافي في كتابه “في الأدب المقارن” إلى أن العرب كانوا “يرتحلون للتجارة صيفا وشتاء ويتأثرون بجيرانهم في مختلف نواحي الحياة، لقد عرفوا بلاد الفرس، وانتقلت إليهم ألوان من ثقافتهم.. وانتقلت بعض الألفاظ الفارسية إلى اللغة العربية، وظهرت في شعر كبار الشعراء، وكان الأعشى من أشهر من استخدموا في شعرهم كلمات فارسية. كذلك عرف البعض جيرانهم البيزنطيين.

إذن احتك العرب منذ جاهليتهم بالشعوب الثلاثة المحيطة بهم، وهي الروم في الشمال والفرس في الشرق والأحباش في الجنوب، ومن الصعب قيام مثل هذه الصلات الأدبية والاقتصادية دون وجود ترجمة، وإن كانت في مراحلها البدائية.‏

الترجمة في صدر الإسلام:

أرسى الإسلام قواعد العلم، ودعت الرسالة الإسلامية إلى التعرف على العالم الإنساني وتعرف الناس على بعضهم، قال تعالى: (وجعلناكم شعوباً وقبائلا لتعارفوا) الحجرات 13.

* أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ملوك العالم: هرقل، وكسرى والنجاشي والمقوقس القبطي. وكانت رسائله باللغة العربية. فقد تكون رسائله إما مشفوعة بترجمة أو أنها ترجمت عندما وصلت إليهم.

فقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابي الجليل زيد بن ثابت على تعلم السريانية، فأجادها في ستين يوماً، وتعلم معها الفارسية والرومية.

* ترجم سيدنا عمر رضي الله عنه الدواوين من الفارسية إلى العربية، ويغلب أن يكون ذلك بترجمة المفاهيم العامة والمعاني وليست الترجمة اللغوية بمعناها اليوم.

* وقد وُجدت ترجمة عربية لبردية يونانية وعليها نص باسم عمرو بن العاص (22 هـ/ 643م) وبها ثلاثة أسطر باليونانية والترجمة بالعربية تحتها.

الترجمة في العصر الأموي:

* امتدت رقعة حكم الأمويين فازدادت الحاجة للترجمة. فكان أول خليفة لهم يترجم هو عمر بن عبد العزيز. تربى عمر بن عبد العزيز فى بيئة مصرية غير عربية اللغة، فلربما كان ذلك سبباً في تفهمه أهمية الترجمة.

وفي زمن الدولة الأموية، تمت ترجمة الدواوين، واهتم بحركة الترجمة الأمير خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. فقد ترجمت له كتب الطب والكيمياء. وكانت الترجمة في العهد الأموي مجهوات فردية.

الترجمة في العصر العباسي:

لترجمة في العصر العباسي كانت بعد الفتوحات العربية، واتساع رقعة الدولة العربية نحو الشرق والغرب، واتصال العرب المباشر بغيرهم من الشعوب المجاورة وفي مقدمتهم الفرس واليونان ولا سيما في العصر العباسي، ازدادت الحاجة إلى الترجمة، فقام العرب بترجمة علوم اليونان، وبعض الأعمال الأدبية الفارسية، فترجموا عن اليونانية علوم الطب والفلك والرياضيات والموسيقى والفلسفة والنقد.‏

وبلغت حركة الترجمة مرحلة متطورة في عصر الخليفة هارون الرشيد وابنه المأمون، الذي يروى أنه كان يمنح بعض المترجمين مثل حنين بن إسحق ما يساوي وزن كتبه إلى العربية ذهبا، ومن المعروف أن المأمون أسس دار الحكمة في بغداد بهدف تنشيط عمل الترجمة، ومن المعروف أن حنين بن إسحق ترجم وألف الكثير من الكتب وفي علوم متعددة، وتابع ابنه إسحق بن حنين بن إسحق هذا العمل.‏

وكان المترجمون من أمثال حنين بن إسحاق العبادي|حنين بن اسحق وثابت بن قرة يتقنون اللغة العربية والسريانية وكذلك‏ العلوم التي يترجمونها. وكان حنين بن اسحق قد عاش فترة في اليونان بهدف دراسة اللغة اليونانية، وكان يترجم الجملة بجملة تطابقها في اللغة العربية، ولا يترجم كل مفردة على حدة، كما ترجم يوحنا بن البطريق وابن الحمصي وغيرهما. وكذلك فإن الطريقة التي اتبعها حنين بن اسحق هي الأفضل. من بين الكتب التي ترجمها حنين بن إسحق كتاب “الأخلاق” لأرسطو، وكتاب “الطبيعة” للمؤلف نفسه. وكان العرب في العصر العباسي يهتمون بدقة الترجمة ولهذا ظهرت عدة ترجمات لنص واحد، فعلى سبيل المثال ترجم أبو بشر متى بن يونس كتاب “الشعر” لأرسطو (384-322) ثم ترجمه مرة ثانية يحيى بن عدي. فتكرار الترجمة يدل على الحرص على دقتها.‏

ألف كتاب “كليلة ودمنة” باللغة السنسكريتية الفيلسوف الهندي بيدبا وقدمه هدية لملك الهند دبشليم الذي حكم الهند بعد مرور فترة من فتح الاسكندر المكدوني لها، وكان ظالما ومستبدا، فألف الحكيم بيدبا الكتاب من أجل إقناعه بالابتعاد عن الظلم والاستبداد، وبهدف إسداء النصيحة الأخلاقية. والكتاب مجموعة من الأمثال على ألسنة الحيوانات.‏

وجرت على الكتاب بعض التعديلات قام بها الطبيب الفارسي برزوية أثناء الترجمة من السنسكريتية إلى الفارسية وكذلك أضاف الوزير الفارسي بزرجمهر في عهد كسرى أنوشروان بعض الأشياء إلى الكتاب مثل ما يخص بعثة برزوية إلى بلاد الهند، وأثناء الترجمة من الفارسية إلى العربية أضاف عبد الله بن المقفع بعض الأشياء، ولقد أشار إلى هذه الأمور فاروق سعد في مقدمته لكتاب كليلة ودمنة.

وقام عبد الله بن المقفع وهو فارسي الأصل في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور بترجمته من الفارسية إلى العربية وأضاف إليه بعض الأشياء حوالي 750م، وكان هدف عبد الله بن المقفع من ترجمة “كليلة ودمنة” تقديم النصيحة للمنصور للكف عن ظلم العباد، فأراد ابن المقفع من كتابه الإصلاح الاجتماعي، والتوجيه السياسي، والنصح الأخلاقي. ولكنه نفسه لم ينج من الظلم فقتله الخليفة.‏

* ظهرت مراكز الترجمة في العالم الإسلامي، وأشهرها:

   1- بيت الحكمة في بغداد.    2- كلية الإسكندرية للترجمة.    3- كلية نيسابور في الترجمة.

حتى صارت اللغة العربية هي لغة الحضارة التي يتطلع إليها الآخرون.

Scroll to Top