بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

البركة في الأشياء والمكان و الزمان والعمر

 عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة الأهل، مثراة في المال، مَنْسَـأة في أثره”. مسند الإمام أحمد، 2/374 ، 8855، ص 625.

    إن محبة الأهل هي أن تنشأ له مودة بينه وبين أهله، ومثراة المال هي أن يكثر ماله، فالمودة وزيادة المال هما أمران ظاهران للعيان في السلوك والإنفاق، ولكن للإنسان أجل لا يتقدم ولا يتأخير، فكيف ينسأ له في عمره ويزاد له فيه ؟ هنا يأتي مفهوم آخر للزيادة.

    إن قيل لشخص إن المسافة بين دارك وبلاد صديقك هي 200ميل، فكم من الزمن تحتاجه دابتك التي تسير بسرعة 100ميل في الساعة ؟ أجاب: تحتاج دابتي إلى ساعتين. فإن ركبها شخص آخر وسار بها نفس المسافة وقطعها في نصف ساعة سمي فعله هذا بركة في الزمن. فحركة هذا الراكب الثاني لحقتها البركة. وهذا النوع من البركة يسمى “طي الزمان”، وعلى شاكلته ينسأ للمرء في عمره.

إن البركة تعني تكثير الشئ القليل، وتوسعة الضيق، ولها من المعجزات والكرامات ما لا يحصى، ونحن هنا نورد لك بعضاً من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وكرامات الأولياء ما يصب في معنى طي الزمان والمكان.

      1- عن أبي رافع أنه كان صاحب الذراع، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: “ناولني الذراع”، فناولته ثم قال: “ناولني الذراع”، فناولته، ثم قال: “ناولني الذراع”، فقلت: يا رسول الله وللشاة غير ذراعين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو ناولتني مازلت تناولني”.  المعجم الأوسط، للطبراني، ج 4، ص 5، الحديث رقم 3301.

      2 – عن أبي الدرداء قال: قلنا يا رسول الله إن أمور مِـنَى لعجبٌ، هي ضيقة، فإذا نزلها الناس اتسعت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما مثل مِـنَى كالرحم، هي ضيقة، فإذا حملت وسعها الله”.  المعجم الأوسط، للطبراني، ج 8، ص 32، الحديث رقم 7775.  ومن هذا القبيل ما نشاهده في اتساع خلوة الشيخ الصغيرة، فهي تضم من البشر الزوار والمريدين أكثر مما تسعه غرفة عادية.

      قلنا إن من البركة نوعاً نسميه الطي، أي طي الزمان والمكان، فطي الزمان يعني أن يبارك للمرء في زمنه فينجز العمل الكثير في زمن قليل، وطي المكان هو أن تُـقَـرَّب المسافة البعيدة للسائر فيقطعها في زمن أقل من المعتاد بكثير:

      3- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنساناً، ثم خرج يسأل، فأتى راهباً فقال له: هل من توبة ؟ قال: لا، فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: إئت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوُجِـد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له”. صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، ص 615، الحديث رقم 3470.

      هذا رجل سار إلى أرض التوبة فطويت له الأرض ليبلغها، فما بالك بمن دام سيره على قدم التوبة حساً ومعنىً ؟

      4- عن أبي هريرة، قال: “…. وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه غير مكترث”. سنن الترمذي، أبواب المناقب، ج 5، ص 264، الحديث رقم 3728.

      5 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “….. وعليكم بسير الليل، فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار”. المصنف، لعبد الرزاق، ج 5، ص 163، الحديث رقم 9251.

      6 – عن أبي سعيد قال: قلنا يا رسول الله هذه الجمار التى نرمي بها كل عام فنحتسب أنها تنقص ؟ فقال: إنه ما تُـقُـبِّـلَ منها رُفِـعَ ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال.  سنن الدارقطني، ج 2، ص 262، الحديث رقم 2763.

      وقد شاهدنا حفيرة ود الطريفي (في مدينة الطلحة غربي ود مدني – السودان) يؤخذ منها العلاج للاستشفاء منذ زمن الفونج (1504م)وحتى يومنا هذا (2013م)وهي ما تزال ضحلة لا تكاد تبتلع الطفل داخلها.

      7- ومن البركة في الزمان ما فعله الشيخ دفع الله الصائم ديمه (1917م – 1992م) في السودان. فهذا الشيخ الجليل قد بنى في السودان زهاء الأربعمئة (400)منشأة، منها 313 مسجداً والباقي زاوايا ومدارس ومستشفيات وخلوات لتحفيظ القرءان الكريم ، وذلك في خلال الفترة (1970م – 1992م)، أي بواقع مسجد واحد في كل شهر، وهذا الفعل مما يعد ضمن مفهوم الإنساء والبركة في العمر. 

    8- أما الإمام أبو بكر السيوطي (849هـ – 911هـ) فقد بدأ تصنيف الكتب وعمره أربعون سنة، ففي 22 سنة أستطاع أن يؤلف ما ينيف على الستمئة كتاب في فنون شتى كالتفسير وعلومه، والحديث وعلومه، والفقه وأصوله، والعربية بكل فروعها، والسير، والتاريخ، أي كان يؤلف ثلاثة كتب في كل شهر. فهذا نوع من البركة وطي الزمان أوتيه هذا الرجل الصالح.

 وصلى الله على سيدنا محمد ذاتاً ووصفاً واسماً.
بقلم / عبد الرحمن (ود الكبيدة)
Scroll to Top