بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الاستعانة والتعاون (2)
بقلم عبدالرحمن ود الكبيدة.
ثانياً:تعاون الناس فيما بينهم واستعانتهم ببعض:
تناولنا في المقال السابق لجوء العبد إلى ربه واستعانته به عز وجل. وأنهينا المقال بالتنبيه على عدم تعارض الاستعانة بالله مع الاستعانة بالمخلوق.
إن مجريات الأمور في الحياة تستند على ظاهر الشريعة. والإنسان بحكم تكليفه من ربه بالعبادة مسؤول عن هذا التكليف، وقد منحه ربه حرية التصرف والاعتقاد، قال تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف، 29؛ وللعباد أعمال كسبية هم محاسبون عليها، فمنهم من يعمل عملاً صالحاً ومنهم من يعمل عملاً طالحاً. والعمل الصالح يفيد فاعله وغير فاعله؛ والعمل الطالح يضر الاثنين معاً. ومن هنا جاء نفع العباد بعضهم بعضاً، وجاء ضررهم لبعضهم بعضاً.
أ) تحدثت السنة النبوية عن أضرار الحسد وعين العائن، فعن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “كادت العين أن تسبق القدر”، ذكره الآلوسي في تفسير قوله تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم). القلم، 51. وفى الحديث النبوي: “العين حق، ولو كان شئ سابق القدر سبقته العين”. صحيح مسلم، 39 كتاب السلام، ج 14، ص 171، الحديث رقم 42 (2188).
ب) وجاء في الأثر الشريف بيان نعمة قضاء حوائج الناس:
1- عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لله عند أقوام نعماً، يقرّها عندهم ما كانوا في حوائج الناس، ما لم يملوهم، فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم”. معجم الطبراني الأوسط، ج 8، ص 226، الحديث رقم 8350. كما رواه ابن أبي الدنيا، وقال الحافظ المنذري: “لو قيل بتحسين سنده لكان ممكناً”.
2- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه”. الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة، للسيوطي، ص 87، الحديث رقم 126. وقال أخرجه ابن ماجة عن أنس؛ وزاد فيه ابن ماجة: “…. وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه”. سنن ابن ماجة، المقدمة، 19 باب من كان مفتاحاً للخير، ج 1 ص 86، الحديث رقم 237.
جـ) وحثت السنة النبوية الشريفة على السعي لنفع الخلق: “الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله”. الطبراني، الكبير، 10/86 “10033” وفي الأوسط، وأبي يعلي فى مسنده، 6/64 “3315”، والسيوطي في الدرر المنتثرة، ص 136، الحديث رقم 205. ومعنى عيال الله = فقراء إلى الله، فهو عز وجل الذي يعولهم.
فبان من الأحاديث أعلاه أن من البشر من يفيد غيره ومنهم من يضر غيره، والكل بمشيئة الله تعالى الذي جعل الخير بيد أناس والشر بيد غيرهم.
وإذ تحدد الضعف البشري، فقد وجب العون والتعاون، وقد حث المولى عز وجل على تعاون الناس فيما بينهم. فعبادة الله تعالى واتباع شرعه يتطلب معرفةَ بهذا الشرع. وقد وردت الاستعانة في القرءان الكريم في عدة آيات نذكر منها ما يلي:
الاستعانة في القرءان الكريم:
أ) قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) النحل، 43. وسؤال أهل الذكر لإقامة كل مقاصد الشريعة من حفظ للدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل؛ مما أوجب على المسلم سؤال العلماء والاستعانة بعلمهم في سيره إلى ربه عز وجل.
ب) وقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة، 2.
ومن استجابات الخلق لهذا الحث الرباني نجد قول ذي القرنين (فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً) الكهف، 95. قال القرطبي – رحمه الله تعالى – فى تفسيره: “في هذه الآية دليل على أن المَلِكَ فُرِضَ عليه أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم، وسد فرجتهم، وإصلاح ثغورهم من أموالهم التي تفيئ عليهم، وحقوقهم التي جمعها في خزانتهم”.
جـ) وقال عز وجل: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) الأنفال، 60. وتدخل الاستعانة باتخاذ الدروع الواقية عند الحرب في هذا الباب من إعداد القوة.
الاستعانة في الحديث النبوي الشريف:
والسنة النبوية الشريفة والتي هى تبيان وتفسير للقرءان الكريم قد حثت على الاستعانة بالخلق بعضهم بعضاً. والأحاديث النبوية والآثار الشريفة مستفيضة في هذا الشأن، نقتطف منها ما يلي:
أ) 1- عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من ستر على مسلم ستر الله عليه في الآخرة، ومن نفَّـسَ عن مسلم كربة نفس الله عنه كربة في الآخرة، والله في عون المسلم ما كان في عون أخيه”.
مصنف عبد الرزاق، ج 10، ص 227، الحديث رقم 18933. وفي رواية الإمام أحمد: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). مسند الإمام أحمد، ص 533، الحديث رقم 2/252، 7421 (7427).
2- وفي رواية أخرى: “مَـنْ نفس عن مؤمن كربة مِـنْ كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّـر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة …… “. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، الحديث رقم 4867، وذكر البخاري نحوه: صحيح البخاري، 46 كتاب المظالم والغصب، ص 419، الحديث رقم 2442.
ب) عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من مشى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له بكل خطوة يخطوها سبعين حسنة”. معجم الطبراني الأوسط، ج 4، ص 42، الحديث رقم 3352.
جـ) عن جابر بن سمرة قال: كان يسار يخدم النبي صلى الله عليه وسلمويخف في حوائجه، فقال: “سلني حاجة”، فقال: ادع لي بالجنة، قال: فرفع رأسه فتنفس وقال: “نعم، ولكن أعني بكثرة السجود”. معجم الطبراني الأوسط، ج 3، ص 125، الحديث رقم 2509.
د) عن أبي بردة عن أبيه عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: “على كل مسلم صدقة”، فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد ؟ قال: “يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق”. قالوا: فإن لم يجد ؟ قال: “يعين ذا الحاجة الملهوف”. صحيح البخاري، كتاب الزكاة، ص 251، الحديث رقم 1445.
وهكذا فقد حثت السنة النبوية على كل أنواع العون المفيد للناس فيما بينهم:
1- فقد بدأ النبي صلى لله عليه وسلمسنة الانتفاع:
أ) قال صلى الله عليه وسلملعمه العباس: “يا عم ! ألا أحبوك ؟ ألا أنفعك ؟ ألا أصلك ؟” سنن ابن ماجة، 5 كتاب إقامة الصلاة، 190 باب ما جاء في صلاة التسابيح، ج 1، ص 442، الحديث رقم 1386.
ب) ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: “اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك” . سنن الترمذي، أبواب الدعوات، ج 5، ص 185، الحديث رقم 3557. فبان بذلك انتفاع المرء بحبه من يحب الله تعالى.
جـ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئا مريعا نافعاً غيرضار عاجلاً غير ضار”. سنن أبي داود، 5 كتاب الصلاة، 260 باب رفع اليدين في الاستسقاء ، ص 184، الحديث رقم 1169. فانظر كيف أسند رسول الله صلى الله عليه وسلمالإغاثة والنفع وعدم الضرر ونحوهما للغيث على سبيل المجاز العقلي في الإسناد. ولا يتم ذلك إلّا بإنبات الله الزرع وإحيائه الأرض.
2- ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلمالمسلمين للتعاون، فقال عليه الصلاة والسلام: “من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه”. صحيح مسلم، 39 كتاب السلام، باب 21، ج 14، ص 186، الحديث رقم 63 (2199). فانظر إلى إسناد النفع إلى العبد، وهو إسناد عقلي يعرفه من له أدنى إلمام باللغة، أي هو إسناد سببي يقول به من يعرف ما لله من مقدرة وما للعبد من تكليف.