الاستعانة والتعاون
(1)
بقلم / عبد الرحمن ود الكبيدة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إن الله تعالى خلق الإنسان من ذكر وأنثى. لم يخلقه من فرد، أي من أحدهما فقط. فبدأ خلقه بمجتمع مكون من رجل وامرأة، ثم بث منهما خلقاً كثيراً. إذاً فالمجتمع هو أصل الوجود الإنساني على هذه الأرض. واقتضى ذلك تشابك المصالح البشرية وتعاون البشر على توفير هذه المصالح والحاجات. فكان التعاون البشري هو محرك الوجود الإنساني على هذه
الأرض. إنه تعاون الناس فيما بينهم، وقبل هذا وذاك استعانتهم بخالقهم عز وجل.
إن شأن هذا التعاون قد التبس على كثير من الناس، ولا سيما بعض الجماعات الإسلامية. وانتقلت إلى معتقداتهم بعض من المفاهيم المتطرفة التي أخذ كل منها بطرف. فقديماً نادى قوم بالجبر والاتكالية على مشيئة الله وتركوا الكسب ظناً منهم أن السماء تمطر ذهباً وفضة. وأخذ قوم بالطرف المناقض للجبر وقالوا أن الإنسان يخلق أفعاله ولا دخل لله فيها- نعوذ بالله من خطل الرأي وسوء المعتقد.
ثم انتقلت عدى هذا التطرف إلى مسألة العون والاستعانة. فإنه تحويراً لمعتقدي هذين الفريقين قال قوم بالالتجاء لمشيئة الله حتى فى أعمال الكسب البشرية، وقالوا ليس لبشر أن يطلب عوناً من بشر آخر. وركن الفريق الآخر للعون البشري بمعزل عن توفيق الله تعالى في هذا العون.
ولكننا نرى أن التوسط والوسطية هي الرأى السديد في هذه المسألة. فطرفي النقيض لو اتجها إلى الوسط لالتقيا في وسطية الاتفاق بينهما. فتبياناً لشذوذ هذه المفاهيم الدخيلة على الإسلام، فإننا نتناول هذا التعاون من عدة، أوجه لها ارتباط وثيق فيما بينها.
أولاً: الاستعانة بالله والالتجاء إليه
إن الله تعالى خلق الإنسان مع غيره من كافة المخلوقات الحادثة، وهو عز وجل أعلم بإمكانيات خلقه وقدرات مخلوقاته، فعن الإنسان قال عز وجل: (وخُلِق الإنسان ضعيفاً) النساء 28. ومع هذا الضعف فقد أنيط بالإنسان تحمل الأمانة والخلافة على وجه الأرض؛ وهذه أعباء تثقل كاهل البشر، وتحتاج إلى العون والمساعدة. والله خير معين لخلقه، ولهذا يردد المسلم طوال يومه طالباً عون ربه في صلاته: (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة 5؛ فهو وحده سبحانه وتعالى أهل العون، قال تعالى على لسان عبده: (والله المستعان على ما تصفون) يوسف 18. ولهذا الضعف البشري فقد حث الله تعالى عباده على الاستعانة به عز وجل، قال في محكم تنزيله: (واستعينوا بالصبر والصلاة) البقرة45؛ ووعد الله تعالى بإجابة خلقه ونصرهم ما استجابوا له وآمنوا به وتوجهوا إليه عز وجل، قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة186.
فالأصل في الاستعانة والاستغاثة أن تكون بالله تعالى، فهو وحده الذى بيده الخير وهو على كل شئ قدير؛ فالعافية منه عز وجل، قال تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفينِ) الشعراء80؛ وهو وحده الهادي إلى سواء السبيل، قال عز وجل: (من يهدِ الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا) الكهف17؛ وبيده الرزق والقوت، قال سبحانه وتعالى: (إنّ الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات58.
ولكن الاستعانة بالله لا تنافي الاستعانة بالمخلوق؛ فما كُـلُّ أعمال العباد لبعضهم تُـعَـدُ شركاً، إن سجود الملائكة لآدم لم يكن عبادة له، بل كان في ظاهره لآدم، ولكن في حقيقته للآمر به، وهو الله عز وجل. وعلى هذا المفهوم تتخرج استعانة المرء بأخيه. فالله هو الظاهر وهو الباطن؛ ظهر في السببية وإكساب عبده المقدرة البشرية، وبطن في تفرده بالصمدية ومشيئته القاهرة فوق كل البرية. والكل منه وإليه.