بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أحكام النظر العقلي  (( بقلم عبدالرحمن د الكبيدة))

   خلق الله تعالى الإنسان وأودع فيه لطيفة العقل التي ميزته عن الحيوان، والتي بموجبها تحمل الإنسان التكليف، وهو خلافة الله على الأرض والقيام بحق هذه الخلافة من عبادة الله وإدارة شؤون حياته. ولكي يتم لهذا الإنسان النظر في كافة شؤونه علمه الله عز وجل من العلم ما به قوام حياته وسعادته الأخروية، قال تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها) البقرة، 31. وأنزل عليه الهداية الربانية المتمثلة في وحيه إلى رسله وأنبيائه عليهم السلام، وعرفه في هذا الوحي أسماء الله تعالى وصفاته سبحانه من الواجب والمستحيل والجائز في حقه عز وجل.

      وأعلم أن قولنا الواجب والمستحيل والجائز في حقه تعالى إنما نعني به الحكم العقلي الذي ينحصر في أقسام الحكم العقلي الثلاثة.

  أقسام الحكم العقلي من حيث الوجوب والاستحالة والجواز:

  1- الواجب: وهو ما لا يتصور في العقل عدمه، أو هو الثابت الذي لا يقبل الانتفاء.

  2- والمستحيل: وهو ما لا يتصور في العقل وجوده، أو المنفي الذي لا يقبل الثبوت.

  3- والجائز: وهو ما يصح في العقل وجوده وعدمه، أي ما يقبل الثبوت تارة ويقبل النفي تارة أخرى على سبيل التناوب.

      كما أن لهذه الأحكام العقلية تقسيمات أخرى هي كما يلي:

 أقسام الحكم العقلي من حيث الضروري والنظري:

       أ) الضروري: وهو ما لا يفتقر إلى تأمل.

     ب) النظري: وهو ما يدرك بالتأمل  وإعمال الفكر.

        * فمثال الحكم العقلي في الواجب الضروري كون الثلاثة أكثر من اثنين.

        * ومثال الواجب النظري ثبوت القدم لمولانا عز وجل فإن العقل لا يدركه إلّا بعد النظر والتأمل فيما يترتب على نفيه من المستحيلات كالدور والتسلسل ونحوهما، (والدور هو كون الشئ الواحد متقدم ومتأخر في نفس الوقت، أي هو توقف كل واحد من هذين الشيئين على الآخر، ومثاله دخولك على مدير الشركة يحتاج إلى إذن مكتوب منه، والإذن المكتوب منه لا تحصل عليه بغير دخولك على هذا المدير)، (والتسلسل هو لا تناهي الأمر، أي هو أن تبرهن على الادعاء على قضيةٍ ما ببرهان يحتاج إلى برهان ثاني وهذا البرهان الثاني يحتاج إلى ثالث وهكذا إلى ما لا نهاية وبهذا يبطل الإدعاء الأول). ومثال الواجب النظري – أيضاً – كون الثمانية نصف ربع الأربعة وستين.

      * ومثال المستحيل الضروري خلو الجسم من الحركة والسكون معاً بحيث لا يوجد فيه واحد منهما.

      * ومثال المستحيل النظري كون الذات العلية جرماً.

      * ومثال الجائز الضروري اتصاف الجرم بخصوص الحركة، فإن العقل يدرك ابتداءً صحة وجودها وصحة عدمها.

      * ومثال الجائز النظري تعذيب المطيع الذي لم يعص الله قط، فإن العقل قد ينكر جواز هذا ابتداءً، بل يتوهمه مستحيلاً، وأما بعد النظر في أن الأفعال كلها بالنسبة لله تعالى سواء لا تنفع ولا تضر فيدرك جواز ذلك.

      إنه بالوقوف على هذه الأحكام العقلية وفهمها يتسنى للمرء أن يعبد الله تعالى على إدراك منه للتوحيد الخالص، والفهم العقلي الذي لا تكدره الأوهام.

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Scroll to Top