بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أثر التصوف على شعر ومراسم الجهاد في الدفاع الشعبي
ومن المظاهر المستحدثة في الكيان الاجتماعي والسياسي السوداني تنبثق أعراس الشهيد التي يعتقد أنها أثر مستمد من التصوف، تلوح بوارقه في أرض المعارك والجهاد. فأعراس الشهيد ابتكرت في عهد حكومة الإنقاذ (1410هـ/ 1989م– …). لا شك أن أعراس الشهيد هذه ما هي إلّا إنشاد ديني صيغ من قبيل التأثر بالذكر الصوفي. وبقدر ما هو تأثر الفن بالتصوف فهو أيضاً
يعكس تأثر السياسة بالتصوف، لأن القائمين على هذا الجهاد ساسة. وقد تأثر هذا الإنشاد الجهادي بالتصوف في عدة اتجاهات، تشمل من القول الصوفي معانيه ومبانيه:
أ) المعاني الصوفية:
وهذه المعاني الصوفية تأخذ منحيين أساسيين، هما:
1- الأخيلة ومعاني المفردات: تمثل الأخيلة ومعاني المفردات الصوفية ودلالاتها الروحية ركيزة أساسية في شعر الدفاع الشعبي، فتأخذ كتابات المجاهدين شكل التناص. فالتناص الذي تؤخذ مادته من القرءان والمفردات الصوفية يتجلى في قول الشاعرة روضة الحاج متحدثة عن لقائها الروحي بالشهيد: (1)
إني استخرت الله يوم تزاحمت عندي المرائي والرؤى
إني بكيت أمام ربي ساجدة
إلى أن تقول:
إني وجيش الهم والإظلام يرجوني صديق
آنست ناراً كالبريق
أسرعت آت بالقبس
فوجدت عند النار من كان الرفيق
وتظل مفردات التصوف تتزاحم على الشاعرة: (2)
صح في المدائن والحواضر والبوادي والقرى
إن الشهيد يزوركم
في الليل يأتي نسمة
مزجت أريج النيل “بالقاشاي” “بالسوباط” بالطين الحبيب
“تقابة” كالكوكب الدري يأتي مشرقا
فتضيء لا شرقية
في الأرض لا غربية
ويكاد يسطع زيتها قبساً ولم تمسسه نار
يتوافد “الحيران” نحو بريقها ويتمتمون
الله يا نور الشهيد
الله يا نور الشهيد
وفي أبيات أخرى تقول: (3)
ويلوح كفك في البعيد ملوحاً
قف أيها المملوء عشقاً وانتماء
قف أيها المسكون بالوطن التفرد والعطاء
قف يا شقيقاً مترعاً بالحب
لله العظيم وللتراب و”للمسائد”
وتتلبس الشاعرة هاجر سليمان طه روح ابن العربي وفصوص حكمه، فتصف لنا الشهداء قائلة: (4)
هم من تشبث بالطريق ومن أراد ومن صدق
فلهم مقام الشمس في فلك الكواكب إذ يدور
ولهم بكل مسارب الظلمات نور
أما الشاعر فتح الرحمن محمد أحمد الجعلي فيجاري مقطوعة الفيتوري الصوفية ويحورها نحو الشهيد قائلاً: (5)
تجد الأشياء هي الأشياء
والناس تردد خلف السور: “إلى العلياء إلى العلياء”
“دنيا لا يملكها من يملكها أغنى أهليها سادتها الفقراء”
دنيا لا يعشقها من يعرفها
دنيا لا يعشقها العلماء
دنيا لا يحياها من يحياها
أحى أهليها الشهداء
والمجاهد السوداني الذي يعشق بلده، يعشقه بامتداد المصلاية (سجادة الصلاة)؛ ويعشقه بعدد حبات سبحة الصوفي. يقول الشاعر مصعب عوض الله: (6)
بلد واطاتو مصلاية وسماه الدين
بلد في كل باب سبحة
بلد تحتاج مداد الكون عمر نوحين
عشان نكتب عن الفيها
وما ظنيت نوفيها
2- وجدانيات ما وراء الطبيعة: إن مفاهيم الإدراك الصوفي والتناول الروحي لمظاهر ما وراء الطبيعة، كالأعمال الخارقة للعادة التي تنضوي في التصوف تحت مسمى (الكرامات) قد طفحت بها سيرة مجاهدي الدفاع الشعبي. فبقدر ما كانت تنطلق من فوهات بنادقهم النيران والحمم تجاه العدو، فقد كان يضوع من أردانهم أريج النسمات الصوفية التي تغذي الأثير بأحاديث الكرامات التي تتوالى على المجاهدين.
فكان هؤلاء المجاهدون يروون لنا عن انتصار عددهم القليل على عدد الخوارج المهول؛ وعن هطول الأمطار التي كانت تنزل عليهم ليشربوا كلما عطشوا في الطريق؛ وعن وجود الماء في طريقهم دون أن تهطل أمطار أو يعلموا مكان نبع الماء؛ وعن سيارات العدو التي كلما أرادت أن تخرج من الوحل تهطل عليها الأمطار؛ وعن الكثير من هذه الكرامات. (7)
ونحن هنا أكثر ما يهمنا من سرد الكرامات هي أنها نوع من التفكير الصوفي الذي اتخذ سبيله إلى عقل مجاهدي الدفاع الشعبي.
ب) المباني الصوفية:
أما المباني الصوفية فيندرج فيها النهج الصوفي من اتخاذ السماع (الذكر والمديح) وسيلة لتربية الروح والتعبير عما بداخلها. وهذا النهج هو الذي أيضاً تأثرت به أدبيات الدفاع الشعبي، ويتجلى ذلك الأثر في وحدتين، تنضويان تحت مفاهيم طقوس الاحتفال، والأسلوب الأدبي في النظم والمقال، ورواية النغم والألحان:
1- الاحتفالية الطقوسية الغنائية: يتم الاحتفال باستشهاد مجاهدي الدفاع الشعبي، ذلك الاحتفال الذي تصحبه مظاهر إنشادية وألحان يطلق عليها عرس الشهيد؛ قال الشاعر محمد حامد آدم: (8)
وكتائب الشهداء عادت من ميادين العطاء
بالأمس زغرد موكب العرس الفدائي
الذي أغلى مهور البذل
لبى دعوة الوطن الغني
2- أساليب القول وفنون النظم: وهنالك قصيدة المنبهجة للعارف بالله تعالى سيدي الشيخ عبد الغني النابلسي رضي الله عنه والتي يقول فيها: (9)
نســمـات هــــواك لهـا أرج تحــيا وتعـيش بهـا المهـــج
ما الناس سوى قوم عرفوك وغـيرهــم هــمــج هــمــج
فمن شعر الدفاع الشعبي الذي يجاري هذا النظم الصوفي بحراً وقافية، كتب الشاعر علي عبد الفتاح يجاري قصيدة المنبهجة أعلاه، وذلك في قوله:
رفـقـاء كـفـاحـك قـد خـرجـوا فــمـتى يأتـيـك بــهـــــا الفــــــرج
ومـتى يـأتـيك رسـول البـشـر بـفـــك أســــــــارك تــبــتــهــــج
إلى أن يقول:
تأتي بجــراحــك لــون الــدم وريـــــح الــمــســــك لهــــا أرج
3- روايات ألحان المديح الصوفي: وتمدد التأثير الصوفي على اللحن الذي صيغت به أنشودة الدفاع الشعبي. فها هو الشاعر محمد إبراهيم عبد الجليل (ود إبراهيم) يقول: (10)
ليش ليش يا مجاهد * * ما بتتقدم للحور والجنة * * تكـسب تغـنم
وهو في هذه الأنشودة يجاري نغمة الشاعر الصوفي الشايقى التي تقول:
ليش ليش يا شايقي * * ما بتتكلم فوق عبد الباقي * * البفرج الهم
الهوامش:
1- أحمد علي الشريف، شعر الجهاد في عهد الإنقاذ – دراسة تحليلية، ص 75 – من ديوان “وهتفت لا” لروضة الحاج، ص 1-5.
2- أحمد علي الشريف، مرجع سابق، ص 79 – من ديوان “وهتفت لا” لروضة الحاج، ص 9 – 12.
3- نفسه، ص 92.
4- نفسه، ص 112.
5- نفسه، ص 133.
6- صحيفة الانتباهة، العدد 2070، الثلاثاء 18 محرم 1433هـ الموافق 13 ديسمبر 2011م، ص 9.
7- نفسه، العدد 1876، الثلاثاء 26 رجب 1432هـ الموافق 28 يونيو 2011م، ص 9.
8- أحمد علي الشريف، مرجع سابق، ص 70.
9- www.google.com/shamela.ws.
10- فرقة الصحوة 2012. 7. 24 www.youtube.com
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبه وسلم.