علاقة الشعر بالغناء 1- 3

Written by Super User. Posted in فنون

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

علاقة الشعر بالغناء 1 - 3

بقلم / عبد الرحمن (ود الكبيدة)

    لاحظ الباحثون والمهتمون بالفن العلاقة الوطيدة بين الغناء والشعر. فالغناء شئ مألوف لدى جميع الشعوب على اختلاف حضاراتهم وعاداتهم ولغاتهم، وأياً كانت أوضاعهم الاقتصادية أو الاجتماعية، فلا يعرف على وجه الأرض شعب يجهل الغناء، فبان بذلك أن الغناء ظاهرة فطرية في الإنسان.

    أما الأسباب التي دفعت الإنسان إلى الغناء فتتنوع بتنوع الأغراض والنوازع البشرية. فالترنم بالأهازيج كان من عوامل الترويح لدى العامل في نشاط الصيد والزراعة والأعمال الشاقة كالبناء وحمل الأمتعة والبضائع. وفي أفراحه اتخذ الإنسان الغناء وسيلة يعبر بها عن خفة روحه الفرحة ونشوتها.

    فإذا تناولنا الجنس الأدبي الذي اتخذه الإنسان قالباً يسكب فيه هذا الغناء برز لدينا الشعر كأهم أداة أدبية. فللغناء مشابهة جلية بالشعر. فالغناء يشتمل على موسيقى الألحان، كما أن الشعر يشتمل على موسيقى الكلمات، وفي كليهما نجد تقطيع النغم بالزمن كميلودية أساسية. فإذا اجتمعت موسيقى اللحن مع موسيقى اللفظ كان للغناء وقعاً طيباً في النفس البشرية. وربما يكون نشأة الغناء مصاحبة لنشأة الشعر حتى لا يتبين المرأ فصلاً بينهما، وكأنهما ولدا معاً، ولكن بمرور الزمان انفصلا، وسار كل منهما في طريقه. ومع ذلك لا غنىً لأحدهما عن الأخر ولا سيما فيما يسمى الشعر الغنائي. فالألحان الموسيقية تحدث هزة في القلب والروح تحتاج إلى قالب شعري يكسب هذه الهزة معنى فكرياً، كما أن الشعر - الغنائي منه - ينقصه اللحن الموسيقي، وقد قيل أن الشعر في الأساس وضع للتغني، والعرب يقولون: أنشد شعراً، أي غناه، أي تغنى به. جاءت الروايات القديمة بما يدل على أن الشاعر إذا لم ينشد شعره وأراد به أن يتغنى دفع به إلى جارية ممن أحسن التلحين، تتغنى به في مجلس من مجالس اللهو والطرب. فالمتنبي يخاطب سيف الدولة ويقول له:

أجــزني إذا أنشـدت شــعـراً فإنمـا       بشــعـري أتـاك المادحـــون مـــــرددا

ودع كل صوت غير صوتي فإنني      أنا الصائح المحكي والآخرون الصدى

وما الدهــر إلّا مـن رواة قصـائدي      إذا قــلت شـعــراً أصـبح الدهـر منشدا

فـســار بـه مـن لا يسـير مشـمــراً      وغــــنى بـه مـن لا يـغــنـي مــغــــردا

فها نحن نرى كيف مزج الشاعر بين إلقاء الشعر والتغني به، ولهذا تتداخل المواقف بين الشعر والغناء، وتتضح التوأمة التي تكاد تكون سيامية بينهما.

    أما عن أغراض الغناء فهي كما قلنا سابقاً تتعدد بتعدد مشاعر الإنسان من أفراح وأتراح وترويح يجمعها حداء النفس والروح واستنهاضها في مشاعرها المعنية. وأهم حداء اتخذ الشعر له هو حداء الروح واستحثاث سيرها إلى ربها، ومن هنا جاء شعر المواجيد الصوفية الذي يسميه أهل الشأن "السماع الصوفي".

وسوف نتناول هذا السماع الصوفي في مقالة لاحقة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 يتبع