من أجل السودان المقال رقم (4)
من أجل السودان
المقال رقم (4)
بقلم: عبد الرحمن محمد عبد الماجد ود الكبيدة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله ذي الخلق العظيم، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أهل الرضا والتفويض والتسليم.
في هذا المقال الرابع نواصل الحديث عن بعض الثوابت التي ينبغي أن تسير عليها إدارة السودان. ونتناول في هذا المقال شأنين: هما الشأن الثقافي والشأن الأخلاقي.
فعلى الصعيد الثقافي نقول ما يلي:
أولاً:نود أن نبين أن الثقافة هي انعكاس مباشر لحياة المجتمع، أي هي إظهار لعادات وتقاليد وأعراف ومعتقدات ذلك المجتمع. وتتخذ الثقافة للإفصاح عن نفسها شتى ضروب التعبير الفني من موسيقى وغناء وفنون جميلة نشاهدها في لوحات الرسامين ونحت النحاتين وتصميم المصممين؛ كما تشمل الثقافة الآداب بأجناسها من شعر ورواية وقصة ومسرح، كما تضم الثقافة معارف وفلسفة وفكر الأمة.
ثانياً:بحسب غلبة التعداد السكاني تأخذ الثقافة السودانية طابع العربية والإسلام. هذه حقيقة ماثلة للعيان لا يتلاحى فيها اثنان. غير أن هذه الغلبة العربية والإسلامية لا تبيح التغول وهضم الثقافات الأخرى، حيث يضم السودان ثقافات وأعراق مختلفة متعددة بتعدد قبائل السودانيين. وهذا يحتم علينا ونحن ننشد مجتمعاً معافى من الإقصاء والتهميشس أن نفسح المجال لتعبر كل ثقافة عن نفسها، وفي هذا التعبير الذاتي إثراء للحياة الثقافية السودانية، وتمازج يخلق الإلفة بين أبناء الوطن الواحد.
ثالثاً:إنه بنفس القدر من تعدد الثقافات والفنون تتعدد أفكار أبناء الوطن الواحد. وهذا التعدد والتنوع هو الذي بسببه وجدت عدة أحزاب سياسية بأفكار ورؤى يختلف فيها كل حزب عن غيره من الأحزاب. والاختلاف في الرأي لا يشكل خطراً طالما أن ثمة ثوابت يسير عليها السودان تحت ظل أية حكومة أو نظام.
رابعاً:إنه بناءً على هذا التنوع الثقافي والفكري، وبناءً على طموحنا لخلق سودان موحد لا إقصاء فيه لفكر أو فن أو أدب فمن الخطل كل الخطل والخطأ كل الخطأ أن تطل علينا أفعى الإقصاء الفكري والثقافي بأنيابها فتحظر نشر بعض الكتابات والفنون، لا لشئ إلا لأنها لا تتفق مع فكر الموظف المسؤول عن إجازة المطبوعات والفنون. إن سياسة الإقصاء والعمل بالقطبية الواحدة (كأحادية القرارات الأمريكية) قد جنى منها العالم وما زال يجني حروبات وشقاقات أودت بأرواح الكثير من الأمم. فلن يأتي الإقصاء الثقافي ولن تأتي الشمولية في الحياة السياسية والثقافية إلا بقوم قزام وأفكار ضحلة لا يتقدم البشر بها قيد أنملة.
إنه بدلاً عن أن تقوم الثقافات التي أقصيت بالعمل السري تحت الأرض فمن الأفضل أن تجد هذه الثقافات فرصتها في العمل العلني. فينبغي مقارعة الحجة بالحجة لا بالإقصاء بشرطي الأفكار القابع في مكتب المصنفات الأدبية. فقد رفض الإسلام إكراه الناس على دين وفكر واحد، قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة: 256. وأما لمواجهة الفكر بالفكر فقد قال تعالي: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل: 125.
وإنه في زمن أصبح العالم فيه قرية واحدة، يدري أولها ما يحدث في آخرها قبل ارتداد الطرف، وفي عالم أصبحت المعرفة فيه متاحة للقاصي والداني، لا سبيل - في مثل هذا العالم - إلى حظر الفكر أو الفن. فإن وسائل الاتصال والتواصل غدت بالفعالية والشفافية التي لا يجدي معها محاولات إخفاء الأفكار أو إقصائها أو تكميم الأفواه. فما لا يسمح له بالنشر رسمياً من قبل الدولة - (أي السنسرة)، تجده مبثوثاً على شتى قنوات التواصل الاجتماعي بأسرع ما يكون النشر. فقد انكشف ما خفي من فساد، وأزيلت حكومات من كراسي الحكم عن طريق وسائل التواصل الفاعلة بين الثوار.
أما في الجانب الأخلاقي فنوجز الآتي:
أ) إن الدين الإسلامي هو دين الفطرة. قال تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) الروم: 30. ولهذا لن تجد أمراً أمر به الإسلام أو نهياً نهى عنه إلا وهو يوافق الفطرة البشرية والعقل البشري، كما صرح الأئمة بموافقة المنقول لصريح المعقول. فمَنْ ذا الذي هو مِنْ البشر ويعتقد في صحة السرقة ونهب أموال الغير ؟ ! وأين هذا الإنسان الذي يقول بأن الزنا أمر ينبغي أن يباح بين الناس ؟! لا يهمنا تفلت الشواذ من البشر، وهذه سنة الحياة أن تجد فيها المهتدي والضال. ولكنا نحكم بغلبة الوازع الأخلاقي لدى غالبية البشر لا شواذهم. بيد أن ما نراه من ضلال وتفلتات أخلاقية مردها إلى إبطال عمل العقل وإطلاق العنان للنفس والهوى ونزوات الشهوة.
إن غلبة الجانب الأخلاقي الداعي للخير هو الذي جعل الأمم كلها تسن القوانين الوضعية التي تردع الخارجين على أخلاق المجتمع. فمن الناس من لا يردعه إلا السلطان.
أما المسلمون فلهم من دينهم وازع ورادع عن فعل الشر، كما لهم حافزلفعل الخير، وذلك بما يرجونه من حياة دنيوية آمنة يسودها الخير، وعاقبة أخروية ينال فيها كل فرد جزاءه. ومن الناس من يردعه القرءان، وكفى.
ب) وفي سبيل نشر الفضيلة والأخلاق السامية يأتي الدين في المقام الأول، وتأتي التربية في دور التربية والعلم والتثقيف في المقام الثاني. فالدين يستجيب له معتنقوه، أما تربية المدارس وغيرها من دور التثقيف والتربية فينهل منها المستهدفون في هذه الدور والمدارس. وهذه الأخيرة من مهمة دور العلم والثقافة التي يرجى منها نشر الفضائل والإزورار عن الرذائل حتى يحى ضمير الأمة وترتقي بحسن أخلاقها. فبقدر ما انتشرت أندية التثقيف والمسارح الفنية ببرامجها الهادفة لترقية الإنسان، بقدر ما ارتقى هذا الإنسان وصفت روحه وتهذبت أخلاقه.
جـ) إن الخلق النبيل يحتم على صاحبه أن يؤدي واجبه دون محاباة. فعلى من يعمل في الخدمة المدنية أن يؤدي دوره بعيداً عن مناصرة حزبه الذي اقتلعت منه السلطة أو لم يفز في الانتخابات. فالعمل ينبغي ان يكون (من أجل السودان) لا من أجل الحزبية ولا الطائفية. وبنفس القدر من الخلق الكريم في جانب من يعتلي السلطة أن لا يحيل إلى التقاعد بحجة الصالح العام إلا موظفاً ثبت تقاعسه عن الواجب الوظيفي وثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه يعطل دولاب العمل نكاية في الشعب ومناصرةً لحزبه دون العمل من أجل المصلحة العامة.
وأخيراً نقول لن تستقيم الدعوة إلى تمثل الأخلاق الدينية ومحامد الأخلاق الوضعية - وهما متكاملان كما أسلفنا القول - لن يستقيم ذلك إلا بإقامة العدل والإحسان. فبالعدل يأخذ كل ذي حق حقه، ويرعوي كل جائر وظالم لأخيه. وبالإحسان تتم هداية الجانح بالرفق؛ فقد جُبِلتْ القلوب على حب من أحسن إليها، وفُطِرتْ على طاعة من ألان لها القول الهادي والنصح الليِّن.
ونختم المقال بأننا - انطلاقاً من بواعث الدِّينِ القيِّم، ومن وازع أخلاق وثقافة الواجب والخير والحق - نرجو الحرية لمن كُمِّم فوهه وكُبِّلت يداه فصاح معلناً سلميته، والسلام لمن تم تهميشه فامتشق الحسام وثار، والعدالة لمن نهبت ثروته وأفلت السارق من يد القانون، فنادى بالمقاضاة. لا راحة لهذا المواطن الا بالحرية والسلام والعدالة.
ولنا عودة بإذن الله.
الاثنين/ 6 مايو / 2019م عبد الرحمن محمد عبد الماجد ود الكبيدة