من أجل السودان المقال رقم (3)
من أجل السودان
المقال رقم (3)
بقلم: عبد الرحمن محمد عبد الماجد ود الكبيدة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله ذي الخلق العظيم سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أهل الرضا والتفويض والتسليم.
تحدثت في المقالين السابقين باختصار عن بعض الثوابت التي ينبغي أن تسير عليها إدارة السودان. وفي هذا المقال سأفرد الحديث للمسألة الدينية.
أولاً: من المعلوم للعالم قاطبة أن غالبية أهل السودان مسلمون، وينبني على هذه الحقيقة أن تسير الدولة السودانية بموجهات الشريعة الإسلامية التي تحفظ حق المسلم وغير المسلم.
نعم في هذه الدولة يجب أن يتمتع المسلم وغير المسلم بحرية أداء شعائره الدينية دون حظر. ويخضع الكل للعدل الإسلامي والمسامحة التي يأمر بها القرءان الكريم والسنة النبوية-(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) صدق الله العظيم. فليس لفئة من المسلمين أن تدعي الوصاية على الشريعة الإسلامية. فثوابت الشريعة يلتزم بها الكل، أما في مجال الإجتهاد فلكل رؤيته ولا حجز على فكر أحد. فإن التنطع في الدين هو بيئة خصبة لتفريخ الإرهاب الذي يعتقد أهله أنهم أحق من غيرهم بفهم الدين وتنزيله على واقع الناس. فلندع كل الطوائف الإسلامية وكل الجماعات الدينية الأخرى أن تعيش في سلام جنباً إلى جنب دون اعتداء على مقدسات جماعة أو أفراد.
ثانياً: إن التعايش السلمي بين طوائف المسلمين بعضهم بعضاً وبين المسلمين وغيرهم من أهل الملل والنحل الأخرى هو أمر واقعي، ومشهود له في حياة السودانيين الاجتماعية والسياسية. فالبيت السوداني الواحد يختلف أفراده باعتناقهم شتى المذاهب الدينية والتوجهات السياسية، ومع ذلك تجد الود والوئام بينهم. وشاهدنا على ذلك أنه لم تسجل في تاريخ السودان، قبل حكومة الإنقاذ، اغتيالات فردية لحاكم أو مسؤول، مهما جار هذا الحاكم أو المسؤول.
ثالثاً: إن بعبع العلمانية التي تخوفنا به بعض الطوائف الدينية فهو هوس وسوء ظن من هذه الطوائف، فللسودان خصوصية بين أهله، حيث نجد الشيوعي والعلماني يصلي ويصوم ويحج ويزكي ويصلي على الجنائز ويجامل المسلمين في كل شؤونهم الاجتماعية. ومهما يكن من أمر فإن الذين تحدثهم أنفسهم بالإنحراف في سلوكهم عن موجهات الأخلاق الإسلامية فلهم رادع اجتماعي يجعلهم يستحون من الإنحراف، ولهم من غلبة ما يشاهدونه من سلوك إسلامي ينتظم البلاد ما يكاد يذوِّبهم تلقائياً في هذا السلوك الإسلامي النظيف. فليس ثمة خشية على الشارع السوداني إن وجد هذا الشارع التوجيه بالقول الحسن وبالقدوة الحسنة التي تنضح صدقاً.
رابعاً: إن الإسلام الذي ندعو إليه هو إسلام العدل والإحسان وعدم الإعتداء على الغير. فليس من الإسلام في شيء أن تعلن عداءً وتسليحاً وضراباً لدولة أو جماعة إن لاقيتها، بينما هذه الجماعة أو الدولة لم تبدأك بحرب أو عداء. قال تعالى: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) صدق الله العظيم. كما أنه ليس من الإسلام في شيء أن تجرم المسلمين وتصمهم بجاهلية القرن العشرين، ففي الحديث الشريف: "إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكهم"، ذكره البخاري في الأدب المفرد، الحديث رقم 324.
خامساً: ينبغي على رجال الدين والمسؤولين عن التشريع الإسلامي والفتوى أن يتحلوا بالتقوى والورع حتى لا تجرفهم مصالح الفئات المنحرفة فيفتوا وفقاً لهذه المصالح. أي عليهم أن لايكونوا عوناً للحاكم على الظلم، كما نربأ بهم أن يجعلوا من أنفسهم بطانة سوء تضل الحاكم.
وثمة أمر آخر يقع على عاتق علماء الدين، وهو تحرير الخطاب الإسلامي من الفوضى وتكفيرالمسلمين وسبابهم. فليجلس علماء الدين كلهم للتفاكر وأن يتفقوا على ثوابت الإسلام والشريعة وأن يدعوا الناس للوسطية والتسامح فيما اختلفوا فيه. فمن رأى رأيا في الدين يخالف الجماعة فليناقش بالحسنى، فقد زين لفرعون سوء عمله، ولو رأى فرعون نفسه على خطأ لما ادعى الألوهية. فلذلك ينبغي توجيه المخطئ باللين (قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى). ومن ارتأى رأياً خطأً، ولم يستجب للهداية فليترك على نهجه شريطة أن لا ينشر ضلالاته التي تخالف إجماع المسلمين، أعني أنه لا يجب أخذ المخطئ بالقوة وإخضاعه للإقناع القسري، فالإرهاب محظور على كلا الطرفين.
سادساً: إن هذه أعم الموجهات الإسلامية التي قصدت أن يسير عليها مجتمعنا السوداني. ولكني أقول إن كانت القوانين لا تصنع محسناً، فإنها تردع مسيئاً. فالوازع الديني والضمير الحي وتقوى الله والورع كلها هي التي تنزل هذه الموجهات إلى أرض الواقع. ولا يظنن أحد إنني أود خلق مجتمع مثالي لا يتحقق على الأرض. كلا فقد نزل الإسلام بتعاليم طبقها الرعيل الأول من المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، فأوجدوا لنا المدينة الفاضلة التي كانت مجرد أشواق للأمم الأخرى. ولولا أن هذه المدينة الفاضلة ممكنة التحقق على وجه الأرض لما دعى لها الدين الإسلامي، حيث: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها). وفي وسع ابن آدم أن يكون خليفة الله في الأرض، ولهذا خلقه الله عز وجل.
إن تحقيق مدينة الإسلام الفاضلة أمر ممكن لو حسنت تربية الفرد والجماعة. وفي هذا المضمار يا حبذا لو نستعين بخلق التصوف والمتصوفة الذين يدعون الناس بالإحسان والتسامح ويأخذون الجاني باللين حتى يرعوي عن غيه، وفي ذلك قال تعالى لنبيه الكريم: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) صدق الله العظيم.
أنا لا أقول إن رجال الإسلام غير المتصوفة لا شأن لهم بمعرفة الأخلاق، كما لا أقول إن الصوفية لا شأن لهم بالتشريع والشريعة، ولكني كسباً للوقت وتمشياً مع الرؤية العالمية للتخصص فإن من أتقن فرعاً من فروع الدين فلنترك له قيادة المجتمع في هذا الفرع دون منعه من الإدلاء برأيه في الفروع الأخرى. فعلى رجال التصوف إرشاد المجتمع وتزكيته روحياً. وعلى رجال التشريع سن القوانين التي تحكم المسلمين وتحفظ حقوقهم وحقوق غير المسلمين، بل ورعاية غير المسلمين والإحسان إليهم كما فعل سلفنا الصالح من المسلمين.
وعلى الله قصدُ السبيل.
ولنا عودة بإذن الله تعالى
الاثنين / 22 / ابريل / 2019م عبد الرحمن محمد عبد الماجد ود الكبيدة